الثلاثاء، 15 فبراير 2011

لسان حال حكومة البحرين: نحن أقوى من بن علي ومبارك

شعبنا الحالم، قد يفرح خونتكم بنجاح ما يسمى بالثورة التونسية والمصرية في تغيير نظامي الحكم فيهما، ويدفعهم ذلك إلى التحريض على كراهية النظام ومحاولة زعزعته في بلدنا الآمن المستقر، ولكننا نبشر هؤلاء ومن يقف وراءهم من دول طامعة ووسائل إعلام مضللة بأننا لم نتعلم مما حدث في تونس ومصر فحسب، بل لقد استفدنا مما حدث في دولنا ودول أخرى مجاورة وصديقة في القرن الماضي.
فخلقنا العداوة والبغضاء بينكم بتعزيز الطائفية في البعثات الجامعية والتوظيف وتوزيع الدوائر الانتخابية، ومولنا وسائل إعلامية داعمة لهذا النهج بدعوى التأكيد على حرية التعبير، ثم جنسنا شعوبا احتياطية ووظفناها في الشرطة والجيش وفضلناها عليكم بإعطائها الأولوية في الحصول على جميع الخدمات التي تقدمها الدولة (للمواطنين) كي تضربكم بيد من حديد كلما سولت لكم أنفسكم الخروج علينا، مستفيدين مما حدث في ثمانينيات القرن الماضي من رفض الجيش الذي كان وطنيا للهجوم عليكم بالمدافع والأسلحة الرشاشة وقمع تمردكم بالقوة العسكرية.
وفي الوقت نفسه أكدنا على رفض الطائفية إعلاميا فوظفنا الموالين لنا من مختلف الطوائف في أعلى المناصب القيادية، ومهدنا لإغلاق بعض مؤسساتكم المذهبية، وحاربنا وسائلكم الإعلامية الطائفية التي تهدد أمننا، وأقنعنا كثيرا من وسائل الإعلام الداخلية والخارجية بأن احتجاجاتكم إرهابية طائفية حتى اقتنعتم أنتم أنفسكم بذلك فوصفتم الطائفة السنية بالموالية للحكومة والشيعية بالمعارضة لها وسمح بعضكم لنا بتجنيس من نشاء من الطائفة السنية بغرض ما أسميناه بحفظ توازن القوى بين الطائفتين.
منحناكم فرصة التعبير عن آرائكم كي ندرسها جيدا ونخطط لتحقيق فتات مطالبكم وقمع المطالب التي نشك في تقويضها لسلطتنا وتهديدها لأمننا وأموالنا.
واعلموا علم اليقين بأنكم لن تستطيعوا تجريدنا من حكمنا لملك آبائنا وأجدادنا مهما حدث؛ فنحن قادرون على قتلكم ودحركم بقوتنا العسكرية دون رحمة، يدعمنا شعبنا المجنس المخلص، وتحالفنا القبلي والطائفي مع أشقائنا وأقاربنا في البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي الذي سيبارك قمعكم وقطع شبكة الإنترنيت وغيرها من وسائل الاتصال التي تدعمكم، وسيحول دون تغطية قناة الجزيرة وغيرها لما نفعله بكم حتى نتمكن من القضاء على ثورتكم واعتقال قادتكم والتنكيل بكم لتكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه تهديد أمن واستقرار نظام الحكم في كل بقعة من بقاع العالم.
أما لسان حال الشعب فيقول: ارجعوا إلى إحصاءات سجونكم منذ خمسينيات القرن الماضي حتى نهايته وستكتشفون أن عدد المعتقلين السياسيين فيها يزداد كلما تفننتم في قتلهم وتعذيبهم وحرمانهم من حقوقهم المشروعة، وارجعوا إلى أساليبكم القمعية لترون كيف ساهمت في تقوية ثوراتنا ماديا ومعنويا ورفع سقف مطالبها فلكل فعل رد فعل.
سنظل نطالب بإصلاح النظام سلميا ونؤيد إصلاحاته السياسية وإنجازاته الحضارية ما دام مستجيبا لمطالبنا المشروعة، فإن قاتلنا ونشر الشائعات الكاذبة عن ثورتنا وافتعل الحرائق والتفجيرات ونسبها إلينا كما فعل في تسعينيات القرن الماضي فسنعمل على إسقاطه وإخراج فلوله المجنسة من ديارنا دفاعا عن أنفسنا وتحقيقا لمطالبنا وثأرا لشهدائنا بكل الطرق الممكنة والوسائل المبتكرة.
ليخلد ثورتنا العالم كله، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).

الأربعاء، 9 فبراير 2011

نحو نظرة إيجابية لذوي الإعاقة البصرية

إن الفهم الدقيق لطبيعة كل إعاقة، وتهيئة البيئة المناسبة لتربية ذويها وتعليمهم وتنقلهم هي أهم المقومات الأساسية للتأصيل إلى النظرة الإيجابية لهم من قبل مجتمعهم.
فإذا فهمت وزارة الصحة مثلا طبيعة الإعاقة البصرية واحتياجات ذويها، ستبادر إلى إحصاء عدد ذوي الإعاقة البصرية وأسرهم ومناطق تواجدهم وأسباب إعاقتهم، لتقوم بتوفير الإرشادات اللازمة لتلك الأسر للاستفادة من حواس أبنائهم الأخرى في تربيتهم وحمايتهم من الأخطار. وستسعى إلى تمكين أسر ذوي الإعاقة من تبادل خبراتهم في هذا المجال والحد من أسباب الإصابة بها، وتهيئة البيئة الصالحة لاستفادة ذوي الإعاقة البصرية من جميع خدمات الوزارة شأنهم في ذلك شأن غيرهم؛ كأن توفر لهم التعليمات الطبية بطريقة برايل، وتكتب جميع لافتات غرفها بطريقة برايل، وتوفر مصاعد ناطقة تنبه ذا الإعاقة البصرية إلى الطابق الذي وصل إليه، وتكتب أرقام الأزرار بطريقة برايل ليتمكن من الاعتماد على نفسه في الوصول إلى حيث يريد من الوزارة والمراكز الصحية التابعة لها، وتضع العلامات الأرضية التي تعينه على معرفة الغرف ودورات المياه وغيرها من المرافق المختلفة ... وستهيئ موظفيها للتعامل معه بتوجيه الخطاب له شخصيا وليس إلى مرافقه كما يحدث الآن...
أما وزارة التربية والتعليم فستضيف إلى ما سبق من علامات أرضية ولافتات ومصاعد كتبا مطبوعة على أقراص مدمجة وبرامج قارئة لشاشة الحاسوب تمكن ذا الإعاقة البصرية من قراءة تلك الكتب وكتابة الامتحانات وغيرها باستخدام الحاسوب دون الحاجة إلى من يقرؤها له أو يترجم إجاباته من (برايل) إلى الخط العادي. وستوفر كتبا أخرى مطبوعة بطريقة برايل لمن لم يستطع منهم إتقان استخدام الحاسوب، وستهيئ جميع العاملين في الوزارة ومدارسها للاستفادة من حواس ذي الإعاقة البصرية الأخرى في نقل المعلومات إليه وتسهيل حركته وتشجيع أقرانه على الاندماج معه ومساعدته والاستفادة من قدراته...
وستتعاون وزارات الأشغال والمواصلات والسياحة على تمكين ذي الإعاقة البصرية من التنقل عبر بيئة مهيأة بالعلامات الأرضية اللازمة والإشارات المرورية الناطقة ووسائل المواصلات المناسبة لقدراته المادية واحتياجاته اليومية كغيره من الناس، كالتسوق عبر قراءة اللافتات وقوائم البضائع وأسعارها المكتوبة بطريقة برايل، أو زيارة أحد المعالم السياحية في بلده وقراءة الإرشادات المعينة على التعرف على ذلك المعلم دون مساعدة أحد، أو إنجاز معاملة ما في إحدى الشركات دون الحاجة إلى من يقرأ له أي شيء كأن يتم ذلك إلكترونيا عبر الإنترنيت أو أجهزة الحاسوب المزودة بالبرامج القارئة للشاشة إلخ.
وستستثني وزارة الإسكان ذا الإعاقة البصرية من معيار الأقدمية في الحصول على سكن ملائم في أسرع وقت ممكن إذا أدركت صعوبة انتقاله من سكن إلى آخر وحاجته إلى من يعينه على التعرف على مرافق كل منطقة ينتقل إليها والبحث عن وسيلة مواصلات جديدة إلى عمله كلما انتقل إلى سكن جديد.
وستلزم وزارة الإعلام المؤسسات التابعة لها باستخدام تقنية HTML بدلا من Flash في تصميم مواقعها الإلكترونية بقدر الإمكان، كي يتمكن ذو الإعاقة البصرية من تصفحها والاستفادة منها عبر البرامج القارئة لشاشة الحاسوب أو السطور الإلكترونية التي تترجم المكتوب على تلك الشاشة بطريقة برايل. وستذيع مواعيد البرامج التليفزيونية وتردد المحطات الفضائية صوتيا بدلا من الاكتفاء بكتابتها على الشاشة، وستساهم في إبراز طاقاته وحل مشكلاته وتصحيح نظرة المجتمع له بإعداد برامج إعلامية متنوعة إعدادا علميا دقيقا مبنيا على دراسة ميدانية لواقعه واحتياجاته وتطلعاته...
وإذا أدركت هيئة تنظيم الاتصالات حاجة ذي الإعاقة البصرية إلى وسائل الاتصال المختلفة فستدعم البرامج القارئة لشاشة الهاتف وتسهل حصول ذي الإعاقة البصرية عليها وتلزم شركات الاتصال بإرسال الفواتير له عبر البريد الإلكتروني أو بطريقة برايل أو توفير طريقة مناسبة أخرى تمكنه من معرفة تفاصيل فاتورته دون عناء. وتسهل حصوله على خدمات الهاتف والإنترنيت بأسعار مناسبة.
وستتعاون وزارة التنمية الاجتماعية مع جميع وزارات الدولة ومؤسساتها على ضمان حصول ذوي الإعاقة على حقوقهم كاملة بالاستعانة بخبرات الدول المتقدمة في هذا المجال بخلق بيئة صديقة للجميع دون تمييز، وتأهيل ذوي الإعاقة نفسيا ومهنيا للاندماج في المجتمع والمشاركة في صنع حاضره ومستقبله، وتأهيل العاملين في مختلف المؤسسات للتعامل مع كل فئات المجتمع بالأساليب الضامنة لاستفادتها من جميع خدماتها، والاستفادة من طاقاتها في رفع مستوى تلك الخدمات.
أما ذا الإعاقة البصرية نفسه فعليه أن يعترف بإعاقته ولا يكترث للمصطلحات فهو أعمى أو كفيف أو ذو إعاقة، ولن يغير المصطلح شيئا من الواقع ولن ينسيه إعاقته أو يزيد من ألمه كما يتوهم، بل عليه أن يستفيد منها بوصفها علامة دالة عليه لمن لا يعرفه، ولا يجعل منها حاجزا يمنعه من الاندماج مع المجتمع الذي يسعى إلى مساعدته على طريقته الإنسانية العفوية.
وأن يساهم في إبراز قدراته للمجتمع، والاعتماد على نفسه والمطالبة بحقوقه واحتياجاته بكل الطرق المشروعة من مؤسسات الدولة المختلفة، ويجب أن يكون عضوا فاعلا في المجتمع بشكل عام، ومؤسسات ذوي الإعاقة بشكل خاص. وألا يبالغ في قدراته أو يقلل من شأنها بحجة التواضع، وألا يقيس تلك القدرات بمبالغة المجتمع في المدح والثناء بل بكفاءة تلك القدرات وما تقدمه من إنجازات لذوي الإعاقة ووطنه والعالم.
وأن يتعاون مع أقرانه من ذوي الإعاقة البصرية وغيرهم في تبادل الخبرات في مختلف المجالات ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم ومطالبهم.
وعلى الأسرة أن تقرأ جيدا في مجال تربية ذوي الإعاقة البصرية وتعليمهم والتعامل معهم ودمجهم في المجتمع كي تتعاون مع ذي الإعاقة في قهر الصعاب بالاستقلالية والاعتماد على النفس والمبادرة إلى مساعدة الآخرين.
ولو تحقق ذلك كله كما هو الحال في أميركا وبريطانيا واليابان وغيرهم فهل سينظر المجتمع إلى ذي الإعاقة البصرية نظرة سلبية؟

الثلاثاء، 11 يناير 2011

عندما تتحول الإعاقة إلى تميز

عازف.. شاعر.. مدرس.. مثقف.. خبير كمبيوتر
عندما تتحول الإعاقة..إلى تميز

أجرى الحوار: محمد الساعي

"علمتني الحياة.. أن التحدي الذي يواجه المعاق ليس ان يعي المجتمع أسلوب
التعامل معه، وإنما أن يعي هو كيف يتعامل مع المجتمع".
عبارة يستحق قائلها أن نتوقف طويلا عندها.. ونتأمل فيها.. ونسبر أغوارها،
فهي باختصار عصارة تجارب طويلة عاشها.. وعاناها.. وتجرع غصصها، ومازال يحياها.
ولد فاقدا نعمة البصر، فعاش منذ لحظاته الأولى في ظلام دامس، لم ير النور
أو ينعم بالضياء، عانى صراعا مريرا تلاطمت فيه الإرادة بالإحباط، اليأس
بالرجاء، الألم بالأمل، ورغم هذا وذاك شق طريقه بإصرار لم يخل في لحظات من
كبوات أو انهيار، لكنه سرعان ما يعيد النهوض ويواصل بعزيمة كبرى.نموذج النجاح
حسين الأمير.. ربما كان ضحية لزواج الأقرباء، عانى مع شقيقه ثم شقيقته ذات
المشكلة، ولكن كانت مشكلتهما أقل حدة، فهما يعانيان ضعفا شديدا بالبصر، لكن
صاحبنا يفتقده تماما.
لم تكن طفولته سعيدة كباقي الأطفال، بل تجرع الغصص والانعزال، إلا ان لحظة
واحدة قد تكون الفارق بين النجاح والفشل، وكانت هذه اللحظة هي بداية الطريق
للأمير، حوّل الظلام إلى نور خاص به، ودّع الإحباط والفشل واحتضن العزيمة
والأمل، تحمل وعورة الصعود وواصل خطواته.. ونهض من سقطاته، حتى بات اليوم
أستاذا في اللغة العربية، والحاسب الآلي، شاعرا، فنانا، كاتبا، مثقفا، زوجا
ناجحا، أبا لطفلين.
ربما كان طريق حياته إلياذة أو نموذجا يقف بكبرياء إلى جانب قصص النجاح،
قصص الإرادة والصبر، خاصة أنه عاش في أسرة صغيرة متواضعة الحال.
"أخبار الخليج" كانت لها وقفة مع الأستاذ حسين الأمير، المواطن البسيط،
الذي مازال يبحث وأقرانه عن حقوقهم في المجتمع، عن ابسط حقوقهم، ولا يدري
احد هل سيطول بحثهم وانتظارهم؟
طفولة.. بين الألم والأمل
كغيره من الأطفال، كان يحب المرح واللعب، ولكن.. ما يفتأ يكبح جماح هذا
الاندفاع الطفولي بسبب كلمات تنفجر في أذنه من هنا، وسهام من السخرية تنغرس
في قلبه من هناك، لم يكن الكثير من أقرانه آنذاك على وعي وخلق يجعلانهم
يتقبلونه، ما ان يندمج فيهم حتى يسمع من بعضهم كلمات تعصر قلبه، وتجاوز
الأمر ذلك إلى ان يحذفه البعض بالحصى، يلقبونه بالأعمى، بالمعاق، ينفرون
منه، فهل ترك ذلك أثره في نفسه؟
يطرق حسين الأمير برأسه كأنه يستعيد تلك الذكريات، قبل ان يردف قائلا: في
البداية كان ذلك مؤثرا جدا، فلم أكن حينها أتجاوز سن الرابعة، وعندها بدأت
اكتشف أنني اختلف عن الآخرين فعلا، لذلك مررت بفترة انعزال، ومع الأيام
بدأت أفكر بحل وطريقة أدافع بها عن نفسي وعن أخي الذي يعاني المشكلة ولكن
بشكل اقل وطأة، عندما كنا نشكو الأمر للأهل كانوا يقولون: لا تهتموا بهم،
العمى عمى القلب وليس البصر. ومع الأيام اقتنعت بأن أفضل جواب لهؤلاء
الساخرين هو السكوت، وشق الطريق بصمت. لذلك واصلت اللعب، بل كنت العب حتى
على "السيكل"، واصلت حياتي وأنا اعمل على تحويل الشعور السلبي إلى ايجابي،
وتدريجيا شعرت بأنني أذكى من الأطفال الآخرين، فلم أكن أتابع برامج الأطفال
أو العب لعبهم، لم أكن اقتنع عندما اشاهد الرسوم المتحركة ان أرنبا يمكنه
الكلام، ولم استسغ حتى أغاني الأطفال، في سن الثامنة مثلا كنت أميل إلى
قراءة كتب الكبار بطريقة "برايل"، مثل كتب نجيب محفوظ وطه حسين وتوفيق
الحكيم وغيرهم، ومنذ سن السابعة بدأت اعزف على "الأورج" كل ذلك أوجد عندي
نوعا من الثقة بالنفس، وكانت لغتي وقراءاتي ومفاهيمي عن الحياة مختلفة، ولم
أكن استطيع التعبير عن ذلك لكني اختزلتها في داخلي، وفي سن التاسعة بدأت
اكتب مذكراتي، كما بدأت المس امتلاكي بعض المواهب.
* ماذا عن الدراسة؟
** بدأت في سن السادسة بمعهد النور للخليج العربي آنذاك قبل ان يصبح المعهد
السعودي البحريني، وللأمانة كان المعهد مهيأ لنا تماما، ولم نواجه صعوبات
حقيقية، وكان المدرسون مهيئين للتعامل معنا، كما وفروا لنا سكنا داخليا،
لذلك كان المعهد والسكن هما المتنفس الوحيد لنا لأننا كلنا أكفّاء ونفهم
بعضنا ونعرف كيف ندرس ونلعب ونتفاهم، ولكن بعد ثلاث سنوات طلبنا ان نذهب
إلى البيت يوميا بدل يوم في الأسبوع. وبقيت الصعوبات تنحصر على النطاق
الأوسع، وهو المجتمع الذي لم نكن نشعر بقبول منه لنا. وكانت المشكلة الأخرى
هي محل الإقامة، فقد اضطررت وعائلتي إلى تغيير السكن عدة مرات من البلاد
إلى جدحفص إلى مدينة عيسى ثم مدينة حمد فعالي ثم مدينة حمد، وذلك لعدم
امتلاكنا سكنا خاصا.
ويواصل الأمير حكايته: المرحلة الثانوية كانت نقلة نوعية وتجربة جديدة
بالنسبة لي، تجربة صعبة، حيث انتقلت من المعهد إلى مدرسة مدينة عيسى
الثانوية، وأول مرة وجدت نفسي في مدرسة عامرة بالطلاب غير الكفيفين، وكنت
الوحيد الذي أعاني المشكلة، لذلك شعرت في البداية بغربة حقيقية خاصة وأنني
استخدم دفاتر خاصة وكتبا خاصة وآلة حاسبة من نوع آخر وآلة كاتبة، ووضعي
مختلف تماما عن غيري، لكن تدريجيا لمست بعض التعاون من زملائي في الصف،
وبنفس الوقت كنت أواجه بعض السخرية من بعض الطلاب عندما أتجول في ساحة
المدرسة، لكن ما كان يهوّن علي ان هؤلاء كانوا غير مقبولين حتى من باقي طلاب
المدرسة بسبب سلوكاتهم. وهناك تكونت لي صداقات استمر بعضها حتى الآن.
ولكن.. لا أنكر أن الضغط النفسي والإحباط بدآ يتضاعفان داخلي، ورافق ذلك
مشاكل أسرية صعبة، لذلك ما ان أكملت الأول الثانوي حتى قررت ترك الدراسة
والبحث عن عمل، إلا ان صغر سني وظروفي حالا دون ذلك رغم ان وزارة العمل
منحتني وأنا في سن 15 بطاقة عمل، ورب ضارة نافعة كما يقال، وهنا كان أخي قد
عزم على الدراسة في معهد المكفوفين بالسعودية، واقترحت أسرتي ان التحق معه،
وفعلا انتقلنا إلى السعودية، وبعد فصل دراسي واحد تم دمجنا في مدرسة عامة،
وكنت الناطق الرسمي للطلاب، وبعد ثلاث سنوات لا أنكر أنها كانت صعبة علي
رجعت إلى البحرين وحصلت من وزير التربية على بعثة للغة العربية في جامعة
البحرين.
رحلة الجامعة.. واستمرار المعاناة
* بالتأكيد كانت الجامعة تجربة جديدة لك، هل كانت أفضل من التجارب السابقة؟
** في الجامعة كان الوضع مختلفا تماما، وربما كان أكثر صعوبة من الثانوية،
فلم تكن الأمور مهيأة لوضعي أبدا، لا كتب، ولا أجهزة، شعرت حينها كأنهم
يقولون لي: لا نريدك في الجامعة، وكانت المشاكل من نوع آخر، فبعد المحاضرة
اطلب إلى هذا وذاك ان يقودني إلى القاعة الفلانية، وكانت الغالبية
يتعاونون، وعندما التحق أخي بالجامعة خفت المشكلة لأنه ليس كفيفا تماما،
وكان يساعدني على التنقل، ولكن بقيت المشاكل الأخرى من دون حل، فكثير من
الدكاترة لم يكونوا يقبلون ان أسجل محاضراتهم كي أعيد كتابتها بطريقة
برايل، وكنت ابحث عن بعض الطلاب المميزين لأستعير منهم المذكرات، وهذه بحد
ذاتها كانت مشكلة، فعندما يوافق الطالب على إعارتي كان يجب ان ابحث عمن
يسجلها لي بصوته أو يقرؤها علي كي اكتبها.
وبنفس الوقت لم يكن جميع الطلاب يتعاونون معي، فالبعض يتهرب سواء من
إعارتنا أو قراءتها لنا، حتى إعادة كتابتها كان يتطلب وقتا طويلا، أما
الامتحانات فكانت مشكلة حقيقية، حيث كان يجب علي ان أبحث عن شخص متفرغ لا
يعمل ولا يدرس أو يكون في إجازة كي يحضر معي الامتحان ويقرأ الأسئلة ويكتب
إجابتي بخطه، والمشكلة ان الكثير من الأساتذة كان يرفض ذلك بحجة انه لا
يوجد ضمان ألا يقوم هذا الشخص بتغشيشي، لذلك كانوا يطلبون إلى بعض
السكرتيرات في الجامعة ان يقمن بهذا الدور، وهذا بحد ذاته كان مبعثا
للإحباط والضغط النفسي لان بعضهن كن يتأففن ويقلن لي صراحة ان هذا ليس
عملهن، ولكن كان بعضهن يقمن بدورهن بضمير وتعاون. وعموما صبرت وصابرت، وفي
نفس الوقت كنت أشارك في الأنشطة الجامعية مثل نادي الموسيقى وأنشطة الشعر
والندوات وورش العمل، ونتيجة لذلك بدأت إدارة الجامعة وأول مرة تنتبه إلى
ان هناك معاقين قادرين على العطاء ولا يحتاجون إلا إلى الدعم، لذلك
استدعونا أنا وأخي وسألونا عن احتياجاتنا ووفروا لنا غرفة للقراءة ومختبرا
للكمبيوتر خاصا بالكفيفين، حتى في الامتحانات وفروا لنا متطوعين لمساعدتنا،
ولكن للأسف كان ذلك في الفصل الأخير من الدراسة بالنسبة لي، لذلك لم استفد
من اغلب تلك الخدمات، إلا انني كنت اشعر بالراحة لأنني استطعت ان احدث نوعا
من التغيير في الجامعة في التعامل مع المعاقين. لكني بنفس الوقت كنت استاء
من بعض الكفيفين الذين يستغلون وضعهم ويرجون الأساتذة في رفع درجاتهم أو
مراعاتهم، وهذا ما كان يجعل بعض الأساتذة يرفض ان يلتحق بمجموعته كفيف،
وكانت فلسفتي ان ابحث عن البديل دائما ولا استغل إعاقتي، لذلك لم أجادل
يوما في درجة منحني إياها الأستاذ.
طريق العمل
* ماذا عن رحلة العمل بعد الجامعة؟
** في الحقيقة رحلة العمل بدأت وأنا في الجامعة، فكنت أقوم ببعض الأعمال
مثل العزف في الحفلات من اجل الحصول على بعض المال، ثم عملت على البدالة في
بنك ستاندرد تشارترد، ورغم ان الإدارة كانت حذرة من تكليفي ببعض المهام في
البداية فإنني استطعت ان اثبت نفسي وتم توظيفي بدوام كامل، وفي 2002 تزوجت
فتاة تعرفت إليها خلال دراستي الجامعية وأسرة الأدباء والكتاب، وحاليا
لدينا قيس (7سنوات)، و(رند) 4 سنوات.
بقيت في العمل بالبنك أربع سنوات سعيت خلالها إلى الحصول على وظيفة في
وزارة التربية أو معهد المكفوفين لأنني احمل شهادة جامعية، ولا أنسى هنا
فضل إحدى الكاتبات الصحفيات المعروفات التي ساعدتني كثيرا وأوصلت صوتي إلى
وزير التربية، وفعلا عملت عام 2004 في المعهد السعودي البحريني للمكفوفين،
وعينت في البداية بقسم مصادر المعلومات ثم مدرسا للغة العربية.
القراءة.. بشتى الطرائق
* ذكرت انك منذ سنوات عمرك الأولى وأنت مولع بالقراءة، هل ولعك بها مستمر
حتى الآن؟ وكيف تحصل على الكتب التي تشبع هذا النهم؟
** نعم.. عشقي للقراءة رافقني منذ سني عمري الأولى، فكنت اقرأ الكتب
المتوافرة بطريقة "برايل"، أما الكتب الأخرى فكنت مع خالي ننظم جلسات
مشتركة للقراءة يقرأ هو الكتب التي تعجبنا بصوت عال وأنا استمع، وكانت
الكتب منوعة منها السياسية ومنها الروايات والشعر وتطوير الذات وغيرها، وقد
تأثرت بكثير من الكتاب مثل ستيفن كوفي خاصة كتابه "العادات السبع".
وحاليا ربما تتركز اغلب قراءاتي من خلال الكمبيوتر والانترنت من خلال
برنامج الناطق، والكثير من الكتاب في البحرين يعطونني كتبهم على أقراص
مدمجة كي أتمكن من قراءتها، كما ان زوجتي كثيرا ما كانت تطبع لي كتبا كاملة
على الحاسب الآلي كي أتمكن من قراءتها، فقد كانت ومازالت فعلا خير عون وسند
لي منذ زواجنا.
عالم آخر
* وكيف تعلمت استخدام الحاسب الآلي وصرت مدرسا له رغم انك لم تتخصص به؟
** كانت تلك المرحلة نقلة نوعية بالنسبة لي، وبدأت في الفصل الأخير
بالجامعة، فحينها لم أكن اعرف حتى أين زر تشغيل جهاز الكمبيوتر، لكني دخلت
دورات متخصصة في الانترنت والمسنجر، وكان هذا بالنسبة لي دخولا لعالم آخر
تماما، خاصة انه تم توفير جهاز يوصل بالكمبيوتر ويحول ما على الشاشة إلى
كتابة برايل، وكنت احلم حينها بامتلاك مثل هذا الجهاز، وفي مرة عملت
الجامعة برنامجا في التلفزيون لجمع تبرعات لأجهزة ومعدات، وكانت المفاجأة
ان المسوّق الذي كان يدربنا في الدورات اتصل بالبرنامج وأعلن انه يتبرع
شخصيا بجهاز كامل لحسين الأمير بعد ان لمس منه تميزا وحبا في استخدام
الكمبيوتر، وكان ذلك فعلا نقلة كبيرة في حياتي، ومع وصول البرامج الناطقة
صرت احلم بامتلاك احدها لكن سعرها كان باهظا، حتى حصلت على نسخة قديمة من
احد الزملاء، ثم عملت في التسويق لهذه البرامج ومازلت، ومع تطور أدائي قررت
إدارة المعهد ان أنقل التدريب إلى الكمبيوتر بدل اللغة العربية، وحاليا
استطيع ان أتواصل مع العالم واكتب ما أريد وأنسقه كما أريد واحضر للدروس
وغيرها، كما انني توقفت تماما عن قراءة الكتب بطريقة برايل ووفرت على زوجتي
عناء طباعة الكتب كاملة على الحاسب الآلي.
الشعر.. ملاذي عند الألم
* ما لا يعرفه الكثيرون انك إلى جانب كل ذلك شاعر لك نتاجك الأدبي، كيف
كانت تجربتك مع الشعر؟
** بدأت كتابة الشعر وأنا في سن الثالثة عشرة، وكانت في البداية عبارة عن
أبيات متقطعة، ثم تحولت إلى قصائد عمودية ثم تفعيلة ثم بين التفعيلة
والنثر، إلى جانب كتابة الخواطر، ولكني في الواقع قررت مؤخرا التوقف عن
كتابة الشعر لأن وضعي في تلك الفترة مختلف، فقد كنت اعتمد على الانفعال
العاطفي، وكان الشعر هو الملجأ الذي الجأ إليه والملاذ عن المشاكل لأنني لم
أكن أجد من يفهمني، واليوم وصلت إلى قناعة انني يجب الا أتقوقع في العواطف،
وإنما علي التركيز في العمل وتجاوز أي مشكلة مهما تكن، ولكن لا أنكر أني
احن إلى كتابة الشعر كثيرا.
* هل انعكس وضعك وما مررت به على نتاجك الأدبي؟
** بالتأكيد، فعندما تقرأ كتاباتي الشعرية مثلا تجد أنها تكاد تخلو من
الألوان والوصف عدا الوصف التقليدي.
* ولكن الا توافقني ان هذه الكتابات تتسم ببحة حزينة ونوع من اليأس
والإحباط حتى لو اكتست بخمار الحب والعشق، مثل قصيدة "إلى كلي الوحيد"،
"قاتلة الحب"، "رغم الغياب"، "غصة حب" وغيرها.
** لا أنكر ذلك، فأنا عندما احزن كنت اكتب ذلك شعرا، وعندما انفعل أحوله
إلى شعر، ولكن عندما افرح كنت أعيش اللحظة ولا اكتب، وهذا ما جعل اغلب
كتاباتي تتسم بطابع الحزن، ولا أنكر أيضا انني عشت فترة تشاؤم طويلة منذ
مرحلة الطفولة حتى الإعدادي، وكما ذكرت كان الشعر والكتابة هما ملاذي.
* من هي الحبيبة التي تكررت في أشعارك؟
** هي أفكار تخطر على بالي، قد تكون أحيانا قصة من الخيال وأحيانا تكون
إنسانة مقصودة في تجارب مررت بها.
ضفاف قلم
* "ضفاف قلم"، هي المدونة الخاصة بك في الانترنت، وهي مهارة أخرى تتمتع
بها، كيف بدأت "مشوارك" مع المدونات؟
** بعد ان تعلمت استخدام الكمبيوتر بجهد ذاتي أو بدورات مختلفة، كنت أبحر
في مواقع الانترنت، واكتشفت موضوع المدونات بالمصادفة، وتعلمت كيف اعمل
مدونة خاصة بي، وفعلا صممت المدونة باسم ضفاف قلم وبدأت أضع فيها المواد
واستقبل التعليقات وارد عليها، وقد ساعدتني زوجتي على تنسيق الشكل النهائي لها.
* ماذا عن الموسيقى التي تضاف إلى قائمة مواهبك وتميزت بها منذ نعومة أظفارك؟
** بالفعل كنت اعزف في سن مبكرة ولي الكثير من المشاركات، ولكن بعد انخراطي
في العمل توقفت عن العزف وبدأت اتجه إلى الالتزام الديني، ولكن هو التزام
اعتبره بشكل مختلف عما هو دارج، فأنا اعتبر نفسي ملتزما ولكني منفتح إلى حد
ما، ومن الممكن ان تقول إنني أسير على نهج السيد محمد حسين فضل الله، فما
أومن به هو انني يجب ان التزم بما يأمرني به الدين والعقل، ولا أتزمت فوق
المطلوب انصياعا للعادات والتقاليد.
تجربتي في الحياة
* بعد هذه الرحلة الطويلة التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد، ما
هي التجربة والخلاصة اللتان خرجت بهما في الحياة؟
** أشياء كثيرة استفدتها من تجربتي في الحياة، وأول ما تعلمته هو مقولة
الإمام علي عليه السلام: "عاتب أخاك بالإحسان إليه، واربط شره بالإنعام
عليه"، فقد استفدت كثيرا من هذه الحكمة، ففي النهاية ومهما يسئ إليك
الآخرون يجب ان تكون متسامحا معهم.
والأمر الآخر اعتقد انني اختلف مع باقي المكفوفين والمعوقين في أمر معين،
وهو أسلوب التعامل مع الآخرين والمجتمع، حيث وصلت إلى قناعة بأنه لا تضع
قيودا في المجتمع ثم تطالب بالاندماج. أي اترك المجتمع يتصرف على سجيته
سواء بشكل سلبي أو ايجابي، ثم اختر أنت طريقك، فكثيرا ما يحاول المجتمع
مساعدتك ولكن ربما بشكل يسبب الإحباط أو الضغط النفسي أو الضيق، وأيا كان
الأمر لابد ان أتقبل هذا الشيء لأنني إذا حيّدته أكون قد انسحبت وبالتالي
أكون أنا الخاسر.
وبالتالي فإن ما بت أومن به هو ان المعوق يجب ان يكون على وعي بكيفية
التعامل مع المجتمع، لا بكيفية تعامل المجتمع معه، فهذه اعتبرها خلاصة
تجربتي مع الإعاقة، وقد جربتها كثيرا ونجحت.
والأمر الثالث الذي تعلمته هو انني إذا كنت مصرا على النجاح فلا توجد قوة
في الأرض قادرة على ان تقف في طريقي سواء كانت إعاقة أو مجتمعا أو مؤسسات
رسمية أو غيرها، فبالإرادة يمكنني الوصول، لذلك أنا مثلا ورغم الإعاقة مؤسس
في الملتقى الثقافي الأهلي رغم ان الجميع مبصرون، وقد طلبوا إليّ مرارا
الترشح لانتخابات الملتقى، واستحضر هنا مقولة لستيفن كوفي "90% مما يجري
على الإنسان هو ناتج عن ردود أفعاله هو، و10% فقط خارج عن إرادته".
كلمة.. لنا
* ما هي الكلمة التي توجهها إلى المجتمع بعد ان مررت بكل هذه التجارب؟
** نتيجة لجهود المعوقين والمؤسسات المعنية بهم بدأ المجتمع الآن يتفهم
بشكل اكبر وضع المعاق واحتياجاته خاصة النفسية وانه قادر على العطاء، لكن
ما نحتاج إليه فعلا هو مزيد من التفاعل مع المعاقين، فالمعاقون كالأسوياء
منهم الأذكياء ومنهم متوسطو الذكاء.
والأمر الآخر ان اغلب المعوقين عندنا مازالوا يعانون قصورا وغيابا للأجهزة
والمعينات، وهذا ما يحد من قدراتهم أيا يكن ذكاؤهم، فهناك من لديه ملكات
الكتابة مثلا ولكن كيف ينتج إذا لم يمتلك المعينات؟ وكيف يمكن ان يشارك في
الفعاليات ويسهم بايجابية إذا لم يمتلك وسيلة مناسبة للمواصلات؟ الا يدفعه
ذلك إلى التقوقع على نفسه؟ لذلك أقول: وفروا لنا المعينات، ثم انظروا ما
نحن قادرون عليه.
وابسط مثال على ذلك ديفيد بلانكت مسك ثلاث وزارات في بريطانيا وهو كفيف.
ختاما.. أود هنا ان أقدم شكرا خاصا إلى الأستاذ أنور عبدالرحمن رئيس تحرير
أخبار الخليج لتعاونه المشهود واهتمامه الشخصي، فقد كلمني شخصيا بالهاتف
وأبدى إعجابه بي وشجعني على مواصلة المسيرة، وقد كنت اسمع كثيرا عنه وعن
قيادته لأخبار الخليج باقتدار، ولكن عندما التقيته قبل فترة وجدت فيه أضعاف
ما سمعت عنه.