الجمعة، 24 أكتوبر 2008

هل يريد رجال الدين إنهاء الطائفية؟

هل يريد رجال الدين إنهاء الطائفية؟

حارب الإسلام التمييز بجميع أشكاله في العهدين النبوي والراشدي، متخذا من التقوى معيارا للتفاضل بين الناس. وإن ظهرت بعض مظاهر التمييز في العهد الراشدي فهي قليلة لم تصل إلى الحد الذي يمكننا اعتبارها به ظاهرة مميزة لذلك العصر.
أما الأمويون فقد تبنوا التمييز منذ نشأة دولتهم، معلنين به نهجا جديدا على مبادئ الإسلام السامية، قديما قدم الجاهلية. وقد تعاقبت الدول الإسلامية المتتالية على تبني التمييز بشتى أشكاله حتى يومنا هذا.
ولم يعد التمييز اليوم مفروضا على الرعية بقوة السلطة السياسية فحسب، فقد استفادت بعض الدول الإسلامية السابقة من قوتها العسكرية وضعف الواعز الديني لدى المسلمين نتيجة للرفاهية والانغماس في الترف، وطورت آلياتها لدفع المجتمع الإسلامي نحو التمييز الذي يخدم سياساتها. فجندت بعض ضعاف النفوس من رجال الدين لوضع الأحاديث التي تدعم توجهاتها، متبعين أحدث المناهج العلمية السليمة في ضبط السند واستقراء القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حتى يأتي الحديث ملبيا لرغبات السلطة السياسية، محققا لشروط قبول الحديث التي منها كون صياغته تنسجم مع الأسلوب النبوي.
وبالرغم من محاولات بعض علماء الدين الشرفاء التصدي لتلك الممارسات بابتكار العلوم والقواعد الضابطة إلا أنهم لم يتمكنوا من إيقاف الوضع حتى تعددت المذاهب الإسلامية وضعفت شوكة الإسلام، وتراجع المستوى العلمي والثقافي والديني لأبناء الأمة الإسلامية، واختلطت الأحاديث الصحيحة بالموضوعة، ليستفيد منها أتباع المذاهب الإسلامية المتعددة ويزيدون عليها بما يذكي نار الفتنة فيما بينها بتأكيد أتباع كل مذهب على صحة عقيدته وسلامتها من البدع والضلال، وخطأ المذاهب الأخرى وكفرها وضلالها المؤدي إلى النار.
وقد أدى ذلك التناحر إلى انغلاق كل مذهب على أتباعه في مساجد منفصلة وطقوس مبتدعة أدخلتها بعض المذاهب على الدين حتى غدت مع مرور الزمن جزءا أصيلا لا يتجزأ منه كما فعل الصفويون الذين ساهموا في نشر التطبير وغيره من البدع والخرافات والروايات الكاذبة حول ثورة الحسين بن علي عليه السلام على سبيل المثال.. وفرقوا بين المسلمين في المساجد وحاربوا المخالفين لهم في المذهب، محدثين ردود أفعال سلبية استفاد منها الاستعمار الغربي في تفريق المسلمين كلما ظهرت بارقة أمل في اتحادهم.
وكذلك فعل الوهابيون الذين كفروا كل من خالفهم وهدموا المساجد والقبور وحاربوا المسلمين باسم الحفاظ على (الإسلام الحق)!!
واليوم لم يعد رجال الدين يتخيلون إسلاما بلا مذاهب، فبالرغم من دعواتهم إلى الوحدة الإسلامية إلا أن كل فرقة ترى أنها الناجية الوحيدة، وأن انتشار مذهبا إسلاميا آخر يعد خطرا عظيما يجب دفعه ولا يعد انتشارا للإسلام!!
لقد تلاشت آمال عامة المسلمين في الوحدة الإسلامية التي حاولت الاستناد على أسس هشة وانتهت إلى مصارحة مُرة ألهمت قرائح أتباع كل فرقة بأبلغ الأساليب اللغوية الرصينة للهجوم على الفرق الإسلامية الأخرى دفاعا عن مذهبهم، وكأن إثبات الحق لا يتأتى إلا بتسفيه المسلم أخاه!!
وعلى المسلمين اليوم إذا ما أرادوا الاتحاد أن يحرروا عقولهم من التقليد الأعمى لرجال الدين الذين لا يبحثون إلا عن مصالحهم الدنيوية والاقتداء بالدعاة إلى الوحدة الإسلامية الحقيقية الخالية من التعصب والتمذهب الطارئ. وأن يعملوا على دعم علماء الدين الشرفاء من أجل تشكيل مؤسسة دينية تدعو إلى وحدة إسلامية حقيقية وتعمل على تنقيح التاريخ الإسلامي باختلاف مذاهبه من كل الشوائب التي فرقت المسلمين وبدلت دينهم وأخرجتهم من النور إلى الظلمات، وتعيد توحيد صلاة المسلمين في مساجد جامعة لهم وإزالة كل ما يحول دون وحدتهم في الأوقاف والمحاكم الشرعية والمناهج التعليمية والمناسبات الدينية والقنوات الإعلامية المختلفة...
ولن يتأتى ذلك كله إلا بتحرر عقول القائمين على تنفيذه من التعصب الأعمى لأحاديث موضوعة وتقاليد دخيلة ومذاهب طارئة، وترفع أنفسهم عن الصراع على المراكز الاجتماعية الزائلة، كما فعل المفكر المصري صالح الورداني، الذي ساهم في تأسيس بعض المنظمات الجهادية الإسلامية السنية في مصر، ثم اعتنق المذهب الشيعي لمدة تزيد على العشرين عاما، وكتب العديد من الكتب حول المذهبين الكريمين، ولما أدرك أن الحقيقة تكمن في الإسلام الخالص أخرج نفسه من الدائرتين ليدعو إلى الوحدة الإسلامية، مترفعا عن كل ما يمكنه أن يقيل عقله ويدنس نفسه.
ولو أراد رجال الدين توحيد المسلمين لفعلوا، ولكن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

الجمعة، 17 أكتوبر 2008

قهر الصعاب بالإرادة الحديدية والتشبث بالثورة المعلوماتية

حسين الأمير.. الكفيف، والقارئ المثقف..
قهر الصعاب بالإرادة الحديدية والتشبث بالثورة المعلوماتية

الوقت - جواد مطر:
‘’بعد دخولك قرية عالي من دوار المرور، سيصادفك دوار آخر فاتجه يسارا، ثم اتجه يمينا، وبعد أن تصل إلى الدوار القريب من مشويات النعيم، ستجد ورشا للنجارة ومحلات تجارية أخرى على يسارك، اتركها واتجه يسارا بعد أول مرتفع، ثم اتجه يمينا فيسارا مباشرة، وبعد ثلاثة مرتفعات ستجد محلا لبيع السندويشات على يمينك، فاتجه بعده يميناً إلى أن تجد على يسارك صندوقا أزرقا لحفظ أسطوانات الغاز، قف فأنت وصلت منزلي’’. هكذا وصف مدرس اللغة العربية الكفيف، حسين الأمير منزله، عندما سعت (الوقت) للقائه، والذي استهله، بطباعة بضعة أسطر على حاسوبه الشخصي، أرادها أن تصل إلى جميع القراء ‘’بسم الله الرحمن الرحيم، يسرني أن أكون في صحيفة (الوقت)، وأرجو أن يكون أمثالي، دافعاً لبذل مزيد من العطاء، لخدمة الإنسانية’’.
حسين الأمير، في بداية العقد الثالث من عمره، كفيف منذ ولادته، تخرج من جامعة البحرين تخصص لغة عربية ودبلوم تربية، متزوج، ولديه قيس (3 أعوام)، وينتظر الآن المولود الآخر، يعمل حالياً مدرساً لمادة اللغة العربية في المعهد السعودي البحريني للمكفوفين، يهوى العزف على آلة (الأورج)، كما أنه مغرم بالقراءة والمطالعات الفكرية، إذ بدأ منذ 5 أعوام، تخصيص وقت للقراءة، من 6 صباحاً حتى 12 ظهراً، ناهيك عن حرصه الشديد على متابعة الصفحات الثقافية بالصحف المحلية، بشكل شبه يومي، واصفاً (الوقت) بـ ‘’المميزة في هذا الجانب’’.
بدأ الأمير حديثه، بالقول ‘’أنهيت مرحلتي الدراسة الابتدائية والإعدادية في معهد النور للخليج العربي (المعهد السعودي البحريني للمكفوفين) حالياً’’، مشيراً إلى أن ‘’الموارد البشرية والمادية الخاصة بفئة المكفوفين، كانت متوفرة، إذ كان المدرسون مؤهلين بالشكل الكافي للتعامل معنا، في الوقت الذي وفر المعهد لنا جميع الكتب اللازمة مطبوعةً بطريقة برايل، كما وفر لنا الآلات المختلفة المستخدمة لكتابة تلك اللغة، كآلة (بيركنز)’’.
وعبر الأمير عن شعوره بأنه ‘’لم يحس يوماً، بالنقص أو الاختلاف عمن حوله في الدراسة، الذين كانوا يعاملون كبقية المدارس الأخرى، من حيث الأنشطة والفعاليات’’، لكنه عاد فقال إن ‘’كنا نعيش، الجو السابق، داخل أسوار المعهد، إلا أنه في حياتنا مع المجتمع، كان الوضع مغايراً’’.
وتابع ‘’إذ كنا - هو وأخيه شبه الكفيف- نتعرض للرمي بالحصى عند اللعب عصراً في القرية، من قبل الأطفال الذين هم في نفس عمرنا، كما كانوا يصرون على رمينا بالألقاب كالعمى وغيرها’’.
واعتبر أن ‘’ذلك السلوك، أحدث لديه رد فعل إيجابي تمثل في تقبل إعاقته، والإيمان بأن التغيير ينبع من داخل الفرد نفسه’’، مذكراً أنه ‘’كان في طفولته يصرُّ على ركوب الدراجة الهوائية أسوة ببقية الأطفال، معتمداً في ذلك على سمعه وإحساسه’’.
وأوضح الأمير أن ‘’الحوادث البسيطة التي تعرض لها، لم تكن كافية لتثنيه عن ذلك، لولا شعوره بتخطي مرحلة اللعب بالدراجة’’.
ورأى أن ‘’الشخص العادي، لا يحتاج إلى بقية حواسه الأخرى في معرفة ماهية الأشياء المادية كالتفاحة مثلاً وصلاحيتها، بينما يحتاج الكفيف إلى أدوات المعرفة المختلفة التي يتمتع بها’’، مشيرا إلى أن ‘’هذا هو سر قدرة الكفيف على تمييز اتجاه الصوت، حجم المكان، عن طريق ارتداد صوته على الجدران’’.
وقال إنه ‘’في المراحل الأولى من حياته، كانت علاقته مقتصرة على المنزل والمدرسة، إلا أن والدته التزمت بأخذه للمشاركة في الأنشطة المجتمعية المختلفة، مثل المعهد الكلاسيكي للموسيقى’’، مضيفا أنه ‘’تعرف هناك، على أحد أهم الأصدقاء في حياته، والذي بدأ معه مرحلة جديدة، بعد تبادل الزيارات والخروج سويا’’.
وتابع ‘’مازلنا صديقين، منذ العام 1987 وحتى الآن، علماً أنه الشخص الذي شجعني حقاً على تكوين العلاقات الاجتماعية والتوسع بها’’.
وأوضح الأمير أن ‘’مشاركاته في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، تنوعت، إذ بعد دراسته آلة (البيانو، العود) شارك في بعض احتفالات ذكرى تأسيس المعهد الكلاسيكي’’، مشيرا إلى أنه ‘’حصل على المركز الأول، بعد مشاركته في نادي الحالة للهواة والعزف أيضاً على (الأورج)، وكانت والدته تأخذه، وتعيده إلى المنزل’’.
كسر مرحلة العزلة
واسترسل ‘’التقيت في المرحلة الثانوية أحد الأصدقاء المكفوفين، والذي علمني كيفية الخروج منفرداً من المنزل، والاعتماد على الذات في التنقل مستخدماً سيارات (النقل العام) حينها، أو بالإشارة إلى السيارات المارة’’.
وتابع ‘’كما أرسى، في داخلي قواعد عدم الخجل من السؤال عن المواقع التي أرغب الذهاب إليها، عن طريق المحاكاة بعد المعاينة’’، مستذكراً ‘’مغامرته الأولى مع أخيه الكفيف (عصام)، بالذهاب إلى المعهد والعودة، باستخدام النقل العام’’.
واعتبر الأمير أن ‘’تلك كانت البداية، لحضور كثير من الأمسيات والمحاضرات في مختلف مناطق المملكة، كجمعية الإصلاح، نادي العروبة، نادي الخريجين، أسرة الأدباء والكتاب’’، مؤكداً أن ‘’حضوره تلك الأنشطة، هو الذي ساعد على دمجه، مع المجتمع بشكل أكبر’’.
6 ساعات يومياً للقراءة
كيف استطاع الأمير، أن يشبع ولعه الشديد بالقراءة والمعرفة، في ظل محدودية الكتب والمصادر المطبوعة بلغة برايل؟
ربما يثير هذا السؤال، الاستغراب في ذهن القراء، إلا أن الأمير يوضح الأمر، عندما يقول إن ‘’خاله، وافق على تخصيص وقت مشترك للقراء 6 ساعات من صباح كل جمعة، اعتبارا من الساعة ,6 شريطة أن تكون الكتب ذات ميول مشتركة، حتى يستفيد الطرفان’’، مشدداً على أن ‘’خاله، مازال ملتزماً بالاتفاق، إذ يأتي، ويأخذه إلى منزله، للقراءة، ويهب به من بعد إلى المكان الذي يرغبه’’.
وأضاف ‘’كان خالي، يحرص على تجنب المواعيد والالتزامات التي تتعارض مع وقت القراءة’’.
وأرجع الأمير توقفه عن كتابة الشعر إلى ‘’التغير الجذري الذي حصل في نظرته للحياة وفلسفتها’’، مشيرا إلى أنه ‘’أصبح يؤمن أن الكتابات الأدبية، ما هي إلا انفعالات، حصلت جراء مواقف معينة’’.
وقال ‘’من الضروري، معالجة الموقف، بدلاً من الاستغراق في الانفعال’’، معتبرا أن ‘’الشعر لا يرتقي إلى فكر قادر على استيعاب الموقف وحله’’.
ودعا الأمير إلى ‘’التوجه نحو الكتابة، وتحليل المواقف بأسلوب عقلاني وحجج منطقية، مدعمة بالدلائل العلمية’’، معتبرا أن ‘’على الإنسان، تغيير نفسه من الداخل، كما يستطيعون تغيير الواقع من حولهم’’.
الثانوية والتعليم الجامعي
إلى ذلك، عاد الأمير، مستعرضا رحلته التعليمية، مشيرا إلى أن ‘’معهد النور للخليج العربي، كان يمرُّ بمرحلة تغيير إداري، رافقها نقص حاد في الكتب، آلات الكتابة، إضافة إلى انفصال والديه، مما هدد بتوقف مشواره الدراسي’’.
وأضاف أن ‘’زميلا سعوديا، عرض عليه أن يكمل دراسته في معهد بالسعودية’’، مشيرا إلى أنه ‘’استطاع التسجيل في المعهد، هو وأخوه، وقضيا 3 أعوام في الغربة، حتى إنهاء المرحلة الثانوية العام .’’1995
وعن المرحلة الجامعية، أوضح الأمير ‘’كان ما يهمني، هو الحصول على بعثة دراسية، نظراً لعدم توفر الإمكانات المادية لمواصلة الدراسة’’، منوهاً أنه ‘’تحدث مع وزير التربية والتعليم في ذلك الوقت، وحصل على بعثة في اللغة العربية بكل بساطة، خصوصاً أنه كان متفوقا في الثانوية العامة بمعدل 94%’’.
أما عن الصعاب التي واجهها الأمير في هذه المرحلة، فقد ‘’تمثلت في البحث، ومتابعة المحاضرات، والوصول إلى شخص متفرغ لقراءتها له، ليقوم هو بكتابتها بطريقة برايل أو تسجيلها على شريط كاسيت ليتمكن من استذكارها لاحقاً’’، معتبراً ‘’البحوث والتقارير الدورية بمثابة (الطامة الكبرى)، إذ يستلزم إعدادها، وجود مرافق إلى المكتبة لقراءة المصادر، واختيار المطلوب منها’’.
الراديو، بدايته نحو الانفتاح الفكري
ومن الواضح أن (الراديو)، كان رفيق الأمير، منذ أن كان عمره 12 عاما، وكما يقول ‘’كانت التحليلات الإخبارية والبرامج الأدبية والعلمية، الأكثر جذباً’’، مشيراً إلى أنه ‘’حتى الآن، قرأ أكثر من 90% من الكتب المطبوعة بلغة برايل في المعهد، وتلك الموجودة في مكتبة جمعية الصداقة للمكفوفين’’.
وأضاف أن ‘’الندوات المختلفة التي كان (لا يزال) يحرص على حضورها، ساهمت في إثراء الجانب الفكري لديه، بشكل كبير’’، مذكراً أنه ‘’اكتسب بعض الأفكار حول العلاقات الاجتماعية، وتعامل المجتمع مع الخارجين عن القانون، من خلال بعض المسلسلات التلفزيونية’’.
وأوضح الأمير أنه ‘’متابع بشكل دائم للصحف المحلية، عن طريق الانترنت، ويفضل قراءة الشؤون الثقافية في صحيفة (الوقت)’’، معتبرا أن ‘’كتاب (نقد العقل العربي للدكتور محمد الجابري) من أبرز الكتب ذات التأثير على شخصيته’’.
الأمير والطفرة المعلوماتية
لم يخطر، بذهن الأمير يوما، أن يستخدم الحاسب الآلي، والانترنت، مشيراً إلى أنه ‘’مع مطلع التسعينات، كان التفكير بالحاسب الآلي ضرباً من الخيال، وفي منتصف ذات العقد، بدأ يشيع وجود أجهزة يمكن توصيلها بالحاسب، تترجم كل ما يطبع على الشاشة إلى طريقة برايل، ومن ثم يقوم الكفيف بقراءتها عن طريق اللمس’’.
وقال إن ‘’اقتناء ذلك الجهاز، كان حلما، لارتفاع سعره الى أكثر من ألفي دينار، إضافة إلى أن الجهات المسؤولة في المملكة، لا تقدم دعما ماديا’’.
واسترسل ‘’جاءت شركة تسوق تلك الأجهزة، واستطعنا الكتابة بأنفسنا في برنامج (الورد)، كما تمكنا من الدخول على الشبكة العنكبوتية’’، مشيراً إلى أن ‘’أحد المسوقين تبرع له بذلك الجهاز، ومن هنا كانت انطلاقته على الانترنت، وقراءة الكتب المتنوعة، والصحف المحلية بشكل يومي’’.
وتابع ‘’كانت مشكلة الجهاز، عدم تعامله بشكل جيد مع كثير من المواقع الالكترونية، مما يحتم الحاجة إلى شخص مبصر لتقديم المساعدة، فضلا عن اقتصار عمله على نسخة محددة من نظام التشغيل، وعدم القدرة على تحديثه تماشياً مع التطور التقني’’.
وقال الأمير ‘’بدأ، مع مطلع القرن الجاري، انتشار البرمجيات الناطقة للعناصر المكتوبة على الشاشة بسعر يصل 700 دينار’’، منوهاً أنه ‘’نظراً لتك الأسباب مجتمعة، آثرت استخدام ذلك الجهاز، كذاكرة خاصة بمعزل عن الحاسب الآلي، بدلاً من الضياع في تعقيداته’’.
وتابع الأمير تجربته مع التقنية قائلاً ‘’خيَّرت قرينة عاهل البلاد الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة جميع الطلبة المكفوفين في جامعة البحرين بالحصول على أجهزة للقراءة يتم توصيلها بالحاسب الآلي، او حاسب آلي مشتمل على برنامج ناطق كتبرع لهم، إلا أنه من سوء حظي أني حينها كــنت خريــجاً، فتمنــيت حينها الرسوب والتأخــر فصلاً واحداً للحصول على ذلك الجهاز’’، مضــيفا أنه ‘’تمكن لاحقاً من الحصول على البرنامــج الناطــق، مـن قبل أحد المحســنين، وبدأ الاستفادة منه، بعد تركيبه على الجهاز الخاص بزوجته’’.
مُعارَضة ‘’المُعارَضة’’
وعندما انتقل الأمير للحديث عن السياسة، قال ‘’التعبير بصراحة عن الأفكار السياسية المعارضة لبعض التوجهات في المملكة، أثناء المرحلة الجامعية، كان ضريبته التشهير بي واتهامي بالجاسوسية لصالح أجهزة الدولة’’.
ورأى الأمير أن ‘’الحكومة الحالية، هي الأكثر قدرة وخبرة من جميع الجمعيات السياسية، للإمساك بزمام الإدارة في المملكة’’، مشدداً على أن ‘’ميثاق العمل الوطني، وما تلاه من إصلاحات، سبب استقرار الأمور وليست أحداث التسعينات التي مرت بها المملكة’’.
وقال ‘’هناك كثير من الأوضاع التي حاولت المعارضة، جاهدة تغييرها، إلا أنها، كانت عاجزة عن ذلك، ما لم يصدر قرار ملكي’’، معتبرا أن ‘’المملكة استطاعت، حتى الآن، تنفيذ جزء كبير من السياسة الأميركية، في إعطاء الحريات المرتكزة على (قل ما تشاء، وسأفعل ما أشاء)’’.
وناشد الأمير ‘’قوى المعارضة، إلى أن تكون، أكثر وعياً، وتعبيراً عن الحريات’’.
المنحة لا تكفي
إلى ذلك، دعا الأمير ‘’المسؤولين في المملكة، إلى اعتماد سياسات، تسهم في دعم الفئات الخاصة وتنمية دورهم في المجتمع’’، معلقاً على مكرمة رئيس الوزراء التي تقضي بمنح ذوي الاحتياجات الخاصة مبلغ 50 ديناراً بصفة شهرية بأنها ‘’لا تكفي’’، مطالبا ‘’زيادتها، نظراً لزيادة الأعباء التي يحتاجها الكفيف، كالحاجة إلى سائق مثلاً’’.
ووجه الأمير ــ في ختام اللقاء معه ــ رسالة إلى أقرانه من الفئات الخاصة، داعيا إياهم إلى ‘’ألا يصابوا بالإحراج من إعاقتهم، وأن يعيشوا واقعهم بشكل طبيعي’’.

اقرؤوا ودعوني أقرأ

كم كنت أحلم بقراءة الصحف اليومية للوقوف على الواقع والاستفادة منه والمشاركة في إنتاجه برؤية عصرية لا تختلف إلا لتأتلف. رؤية أنتجها تراب الوطن العربي الكبير، وعبير الأصدقاء، وخمر الأعداء، ولعنة العمى. رؤية تعتمد اختيار البدائل المتعددة سبيلا للخروج من التابوت ولا تنكفئ على بديل وحيد.
ولتحقيق ذلك الحلم، كنت أحث الأقارب والأصدقاء على قراءة الصحف واطلاعي عليها للتعليق والمناقشة، ولكن ذلك لا يكفي، فلا يمكننا أن نلتقي يوميا، كما أن للناس في ما يقرأون مذاهب. ولا يمكن كتابة الصحف بطريقة برايل، فالعرض مكلف والطلب قليل. وعلى رغم ذلك كله لم أترك بابا للثقافة والاطلاع من دون طَرْق، فمعظم الجمعيات والأندية والمجالس الثقافية تشهد لي بالحضور، كما أشهد لها جميعها بالمساهمة في زيادة رصيدي المعرفي والاجتماعي.
ولما أوشك الحلم أن يتحقق بوجود برنامج يجعل الحاسوب ناطقا بالعربية والإنجليزية سعيت جاهدا مثل أقراني من المكفوفين بشتى الطرق حتى حصلت على الحاسوب والبرنامج بتبرع سخي من أحد التجار الأخيار، فبدأت بالتواصل مع العالم كله عبر الإنترنيت، ولم أكتف بقراءة الصحف فحسب، بل كنت أعلق على بعض مواضيعها في مواقعها الإلكترونية.
ونظرا للإصلاح السياسي العظيم والانفتاح الاقتصادي الشامل الذي شيده جلالة الملك حمد حفظه الله، تناسلت الصحف، وتنافست في توسيع مواقعها الإلكترونية وتجميلها، فتنوعت أساليب كتابة عناوين وصلاتها الإلكترونية، حتى عجزت البرامج الناطقة عن قراءتها، إذ إن هذه البرامج تستطيع قراءة الأحرف المكتوبة بطريقة(html) أو (txt) ولا يمكن قراءة الأحرف المكتوبة بطريقة(image) أو الصور غير المعرّفة أثناء تصميم الصفحة الإلكترونية، مما اضطرني إلى فتح أغلب المواضيع للتعرف على عناوينها من الداخل، ليضيع الوقت في الانتقاء على حساب القراءة. إن ذلك الحرمان غير المقصود من استمتاعنا بقراءة صحفنا المحلية لم يمنع البعض منا من الاتصال ببعض تلك الصحف، ولكن انتشار هذه الظاهرة دفعني للكتابة، تحدوني الثقة في إيمان رؤساء تحريرها بأهمية وصولها إلى مختلف فئات المجتمع من دون تمييز.
فهل سيكتمل حلم المكفوفين البحرينيين بقراءة ما يشاءون من الصحف المحلية بكل وضوح كما في السابق؟