الأحد، 29 مارس 2009

لم يكن ورديا ولا أحمر بالخط العريض

إثبات قدرة الكفيف على بناء أسرة قوامها الحب والتعاون والعطاء، وتوجيه الأسر إلى تقديم النصح والإرشاد لأبنائهم دون إكراههم على السير في طريق بعينه، كانا هدفينا من قبول الدعوة إلى المشاركة في برنامج (أحمر بالخط العريض)عبر قناة LBC اللبنانية، انطلاقا من إيماننا العميق بقدرة التجارب الإنسانية على إثراء المجتمع الإنساني وتقدمه، فضلا عن الاستمتاع بطبيعة لبنان الساحرة وشتائها المثير.
وقد تمكنت سوسن دهنيم بما منحت من وقت وخبرة وما امتلأ به قلبها من حب من تحقيق هذين الهدفين بامتياز أدركه كل من هنأنا بدقة عرضها لتجربتنا وحرصها على التماس العذر لأهلها الذين أدركوا بعد زواجنا بوقت قصير صدق مشاعرنا وحسن تصرفنا والتزامنا بديننا وحسب.
فقد أوضحت سوسن أسباب اختيارها لكاتب هذه السطور، والسبل التي سرنا عليها بشيء من التفصيل حتى تزوجنا. ولم يكن ذكرها لتلك التفاصيل القليلة عبثا، بل جاء نتيجة لما فوجئنا به أثناء البرنامج من بعض الأسئلة وبعض القصص المشاركة التي تجاوزت العقل والدين في عرضها ومعالجتها لمشكلاتها. فنحن لسنا كالتي اختصرت الغاية من وجودها في الحياة في رؤية (عاصي الحلاني)، ولا كالذي أقام علاقة غير شرعية مع امرأة مخطوبة. لم نتزوج مباشرة بمجرد علمنا برفض أهلها لزواجنا، ولم نتخذ قرارا دون علمهم به، وقد أضاف زواجنا لشخصيتينا مزيدا من القوة وحسن التصرف فضلا عن الثقافة والمرح كما أوضح كاتب السطور.
لم نشأ ذكر المزيد من التفاصيل عما حدث، كي يدرك المشاهد جيدا أن هدفنا من المشاركة ليس الإثارة التي تستعبد مقدم البرنامج، وإنما أهدافنا هي ما تقدم ذكره.
في صباح يوم العرض كنا قد خططنا للاستمتاع بوقتنا في التعرف على بعض معالم لبنان السياحية، فقد أخبرنا فريق الإعداد بأننا سنذهب إلى الأستوديو في الرابعة عصرا بتوقيت بيروت، ولكنهم فاجؤونا بعد أن عزمنا على الخروج بأنهم سيجلسون معنا ظهرا في الفندق قبل أن نذهب في الرابعة إلى التلفاز.
ولم يأتنا أحد حتى الرابعة حيث ذهبنا إلى التلفاز قبل عرض البرنامج بأربع ساعات.
جلس كل صاحب قصة مع فريق الإعداد منفردا، كي يطلعه على طبيعة الأسئلة باختصار ليبدي رأيه فيها ويوقع على إقرار بتحمله مسؤولية ما يقوله وما قد يحدث له بعد مشاركته في البرنامج.
وقبل بدء البرنامج بنصف ساعة ذهب الجميع وبقيت مع ياسمين (إحدى المشاركات في البرنامج) حتى يؤذن لنا بالذهاب إلى الأستوديو بعد بدء البرنامج بعشر دقائق على حد قول مالك مكتبي مقدم البرنامج. وقيل لي بأنني سأسمع الجزء الذي لن أشارك فيه من البرنامج فترة وجودي خارجه، ولكنهم لم يفتحوا التلفاز حتى فتحته ياسمين قبل بدء البرنامج بعشر دقائق لنتمكن من مشاهدة البرنامج والاستماع الى ما يقال فيه من قصص. وبعد بدء البرنامج بساعة ونصف صعدت إلى الطابق الذي به الأستوديو وانتظرت ربع ساعة حتى أذن لي بالدخول، وكانت ياسمين قد سبقتني بربع ساعة تقريبا.
استمعت إلى جزء مما قالته زوجتي قبل دخولي، ففي فترة انتقالي من الطابق الأرضي إلى الأول حيث الاستوديو انقطعت عن البرنامج قليلا، وقد علمت بعد هذا الانتظار الطويل بأن وقت البرنامج أوشك على النفاد، وأن دخولي قد لا يؤدي إلى تحقيق ما سعيت إليه وهذا ما حدث فعلا.
فقد كان مالك يسألني ويقطع إجابتي بسؤال آخر لي أو لغيري، مما حال دون التفصيل في إجابات بعض الأسئلة التي بترها الوقت والمقدم. فعلى سبيل المثال وليس الحصر لم تضف سوسن على حياتي شيئا من المرح والثقافة فحسب، بل جعلتني أرى بعينها كثيرا مما لم أكن أراه، وأشبعت حاجتي إلى حبيب يشاركني اهتماماتي ويلبي طموحي بما يمتلك من حب لا ينضب، وعقل طموح، وروح بالعطر تفوح. فها هي هنا في بيروت على سبيل المثال تقرأ لي لافتات بعض المعالم السياحية ولافتات الدعايات الانتخابية لتيار المستقبل وغيرها التي نمر بها أثناء انتقالنا من الفندق إلى التلفاز، وتضع يدي على أوراق شجرة الأرز لأتحسسها عند تجولنا في (حريصة) وعلى جدران مباني جبيل القديمة ...
وكنت قد أردت التطرق إلى ضرورة سعي الشباب وذويهم إلى تذويب الفجوة الكبيرة التي خلقتها الفوارق الزمنية والثقافية بينهما، وذلك بحرص الشباب على إشراك ذويهم في بعض اهتماماتهم غير التقليدية، والاستفادة منهم في حل مشكلاتهم الاجتماعية. وعلى ولي الأمر أن يكون دائم الاطلاع على كل جديد يمكنه من احتواء أبنائه والولوج إلى عالمهم المتجدد والتأثير فيه بما يحقق طموح الشباب في التغيير والتجديد المبتكر انطلاقا من الاستفادة من الخبرات التراكمية للأجيال السابقة ومعطيات الواقع الحالي ومتطلباته.
لم يكن البرنامج ورديا خالصا كما أردنا، ولكنه لم يكن أحمرا بالخط العريض.
كم كان جميلا تحالف شواطئ البحر الأبيض المتوسط والجبال والأشجار والأمطار على إغرائنا بالبقاء، وكم هو أجمل أننا كنا مع تحت تأثير ذلك الإغراء!!

الأحد، 22 مارس 2009

من مباريات كأس الطائفية

لا شك في ضرورة توعية المجتمع بإطلاعهم على حقيقة الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وتوجهات صناع تلك الأحداث، ولكن ما يحدث الآن في صحفنا المحلية لا يخدم تلك الضرورة وإن كان غرض البعض خلق مجتمع وطني موحد.
فعندما يرفع بعض الأخوة من الطائفة السنية الكريمة شعار التكفير في كتيبات وأقراص مدمجة متحملا أعباء القيام بتوزيعها في المدارس والجامعة، تهب الطائفة الشيعية الكريمة إلى إدانة تلك الأفعال والفاعلين وتجريمهما بكل ما جادت به قرائحهم من نقد أدبي بليغ، في الوقت الذي (تتحفظ) فيه معظم أقلام الطائفة السنية على الأحداث نفسها وكأن الأمر لا يعنيها ولا علاقة له بالوحدة الوطنية ولا (بما تدعيه) الطائفة الأخرى من طائفية وزعزعة للوحدة الوطنية.
وعندما تقوم جمعية التوعية (الإسلامية) الشيعية بتقسيم الناس إلى معسكرين، أو تتطاول بعض (القيادات) الشيعية على بعض الثوابت الدستورية بالسعي إلى تحريض الناس ضد نظام الحكم أو مس الذات الملكية بسوء أو توزيع منشورات تحريضية، تهب الطائفة السنية الكريمة لإدانة تلك الأحداث وتجريم فاعليها بكل ما أوتيت أقلام كُتّابها من فصاحة وبلاغة وإبداع، كما فعل (محرر الشؤون السياسية) في إحدى الصحف المحلية، عندما حاول إسقاط تهمة الطائفية على خطابات الأستاذين (الشيعيين): حسن مشيمع وعبد الهادي الخواجة، واصفا الشيعة (كلهم) بالسعي إلى (اللبننة). بينما تتحفظ أقلام الطائفة الشيعية على الأحداث نفسها، بل تدافع عن فاعليها على مختلف أنواع المنابر، بوصفهم أبطالا يتفانون في ترسيخ دعائم الحرية والديمقراطية وتعزيز مبادئ العدل والمساواة بين المواطنين أو بوصف أفعالهم بكونها لا تستحق الاعتقال بحسب رأي النائب الشيخ علي سلمان.
ويتفق هؤلاء الصحفيون مع النواب والحكومة وعلماء الدين في الدعوة إلى الوحدة الوطنية والعمل ضد هذا المبدأ عندما يتعلق الأمر بضرورة نصرة الأخ في الطائفة وإن كان ظالما. فالنائب السلفي السني جاسم السعيدي الذي يتهم الطائفة الشيعية بالصهيونية والصفوية ويهين بعض رموزها الدينية علنا على المنابر لا يجب أن يتوقف عن الخطابة إلا لمدة أسبوع واحد فقط من وجهة نظر الحكومة السنية، كما أن مطالبة الشيعة برفع الحصانة عنه لمحاكمته هي أصدق دليل على تمييزهم الطائفي وخيانتهم لمبادئ الوحدة الوطنية وزعزعتهم للسلم الأهلي بالاستعانة بقوى خارجية ذات أطماع سياسية أو طائفية بغيضة من وجهة نظر بعض الأقلام السنية والنواب السنة الذين يرون ضرورة التصدي لمثل هذه المطالبات (الكيدية) وإفشالها بشتى الطرق، ومن بينها المطالبة برفع الحصانة عن نواب شيعة بذريعة التحريض على كراهية النظام حسب زعمهم في اتهامهم للنائب الشيعي جاسم حسين الذي تحدث عن التمييز الطائفي في البحرين أمام الكونجريس الأميركي!! متجاهلين استجابة الحكومة للضغوط الأميركية التي أدت إلى إيجاد الأسطول الخامس العسكري الأميركي في البلاد وقيام الحكومة بالإصلاحات السياسية التاريخية التي أتت بهؤلاء النواب وغيرهم. فللحكومة والنواب السنة وحدهم (الاستفادة) من تجارب الدول (الشقيقة والصديقة) أما الشيعة فحرام عليهم (الاستقواء) بالدول نفسها!!
كما أن النواب الشيعة يطالبون باستجواب الوزير الشيخ أحمد بن عطية الله بوصفه متآمرا مضللا ومميزا بين طوائف المواطنين بتشجيعه التجنيس السياسي الذي يحرم كثيرا من المواطنين من حقوقهم الدستورية والقانونية ليتمتع بها غيرهم من الطارئين الجدد.
وما من شك في ضرورة محاسبة المسؤولين عن التجنيس السياسي وتبعاته وأضراره السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية على المواطنين بغض النظر عن مناصب هؤلاء المسؤولين أو قبائلهم أو طوائفهم، ولكن النواب الشيعة لم يقفوا ضد الوزير منصور بن رجب الذي طالب بعض النواب السنة باستجوابه نظرا لتقصيره وفساد وزارته!!
أما علماء الدين، فشيعتهم ينشئون مجلسا (علمائيا إسلاميا) للشيعة وحدهم، مدعين خصوصيات مذهبية يمكنهم التغاضي عنها إذا كانوا يسعون إلى توحيد المواطنين عموما والمسلمين بشكل خاص. ويترفع كبار علمائهم عن المشاركة في المجلس الإسلامي الأعلى الذي أنشأته الحكومة على الرغم من استجابتها لمطالبهم بتعديل أهداف المجلس وصلاحياته لكونه حكومي فقط!!
وإن أقام الشيعة مهرجانات (إسلامية) فلا يدعون إليها السنة إلا على استحياء، وإن دعوهم أقاموا ذلك المهرجان في مأتم يستخدمونه في ممارسة بعض الطقوس الشيعية الخاصة كالعزاء وغيره، مما يؤدي إلى عزوف السنة عن الحضور.
أما السنة فلا يدعون الشيعة إلى حضور فعالياتهم أصلا، مبررين ذلك بكونهم يدعون المواطنين جميعا دون استثناء، في الوقت الذي يجب عليهم تشجيع الشيعة لحضور تلك الفعاليات الإسلامية سعيا إلى تذويب الفوارق بين المذاهب وتوحيد المسلمين تحت راية الإسلام وحب الوطن.
من علماء الدين الشيعة من يلعن بعض من يعتبره السنة من الصحابة والأولياء الصالحين، ومن السنة من يعد ذلك مما يوجب الكفر، وهما موقفان لا يؤديان إلى وحدة وطنية ولا إسلامية.
هل عجز البحرينيون عن التخطيط الاستراتيجي للحصول على حقوقهم واستسلموا جميعا لإملاءات إيران أو حزب الله أو المملكة العربية السعودية أو أميركا؟
هل كل الشيعة تابعون مؤيدون لكل عمل تخريبي أو طائفي أو انقلابي؟
وهل كل السنة موالون لحكوماتهم، مؤيدون لكل طائفي تكفيري؟
نعم كلنا (طائفيون، مأجورون، عملاء)، شيعة وسنة. أما المواطن المنصف فإنه طائفي عميل مأجور كذلك، لكنه أعلى مقاما من سابقيه بما فضله أبناء الطائفتين من وصفه بالمنافق، فهو مأجور للسنة أو للحكومة عندما ينتقد الشيعة، ومأجور للشيعة عندما ينتقد السنة!!!
أين (الإسلاميون) من قول الإمام علي (ع): "احمل أخاك على سبعين محمل حسن؟ "
أما آن لنا أن نخجل من الادعاء بالمحافظة على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي؟
متى نتعلم الاستفادة من كوادرنا الوطنية في سمو وطننا ورفعة شأنه بغض النظر عن أديانهم وانتماءاتهم المذهبية والقبلية والحزبية؟
ومن الذي سيعلمنا ذلك كله ما دامت حكومتنا ونوابنا وعلماؤنا يتبارون على ملعب الوحدة الوطنية للفوز بكأس الطائفية؟