السبت، 13 ديسمبر 2008

تسكنني امرأة

افتقدتني فاتصلت...
أفرز اتصالها اتصالات متبادلة دامت حتى السكن...
وأفرز السكن اللقاء تلو اللقاء حتى الجنون...
كانت تبدأ يومها بي، وتخشى أن يغلبها النعاس قبل أن تقول لي: (أحبك).
تتحدث عني وتكتبني نبيا يدرك الماضي والحاضر ويعرف الطريق إلى المستقبل.
تنصت إلي بانبهار يكاد أن يجعلني أؤمن بكوني معجزة إلهية أنزلت للناس لتعيدهم إلى النور بعد ظلام دامس طويل، ولم أكن سوى تلميذ لكل شيء.
دينها ديني. ولكل مقام عندها مقال.
علمتني كيف ألاطف الصغار، وعلمتها كيف تخاطب الكبار حتى تكبر.
علمتها كيف تحبني، فأصبحت تصحو باكرا لتقبلني وتقول لي بصوت طفولي رقيق: (صباح الخير حبيبي. الريوق جاهز والعصير جاهز).
ولا تنام قبل أن تسألني عن حاجتي وتقبلني: (تصبح على خير حبيبي)
وكتبت سطوري كلها وسطور من أحب من الشعراء لأتمكن من قراءتها على الحاسوب.
وخصصت لنا وقتا لنقرأ معا بالرغم من انشغالها بالعمل والأطفال.
صارت تحترم رغباتي، وتسعد بتلبية احتياجاتي العامة والخاصة والبحث عن كل ما يهمني.
ترغب في كل ما يجمعنا وتعتذر عن كل ما تظن أنه يمكن أن يزعجني.
تلتمس العذر لي على أي خطأ أو تقصير، وإن عزت الأعذار عاتبت برفق يكاد يبكيني خجلا.
تدرك أني أعشقها فلا تحملني إلا ما أطيق، وتصحبني إن طال الطريق.
تصف لي كل ما تراه كأنني أراه، وتعانقني بوصفي الحياة.
شذاها يسكرني...
وصوتها يسحرني...
ودفؤها أحلى من السفر...

الجمعة، 24 أكتوبر 2008

هل يريد رجال الدين إنهاء الطائفية؟

هل يريد رجال الدين إنهاء الطائفية؟

حارب الإسلام التمييز بجميع أشكاله في العهدين النبوي والراشدي، متخذا من التقوى معيارا للتفاضل بين الناس. وإن ظهرت بعض مظاهر التمييز في العهد الراشدي فهي قليلة لم تصل إلى الحد الذي يمكننا اعتبارها به ظاهرة مميزة لذلك العصر.
أما الأمويون فقد تبنوا التمييز منذ نشأة دولتهم، معلنين به نهجا جديدا على مبادئ الإسلام السامية، قديما قدم الجاهلية. وقد تعاقبت الدول الإسلامية المتتالية على تبني التمييز بشتى أشكاله حتى يومنا هذا.
ولم يعد التمييز اليوم مفروضا على الرعية بقوة السلطة السياسية فحسب، فقد استفادت بعض الدول الإسلامية السابقة من قوتها العسكرية وضعف الواعز الديني لدى المسلمين نتيجة للرفاهية والانغماس في الترف، وطورت آلياتها لدفع المجتمع الإسلامي نحو التمييز الذي يخدم سياساتها. فجندت بعض ضعاف النفوس من رجال الدين لوضع الأحاديث التي تدعم توجهاتها، متبعين أحدث المناهج العلمية السليمة في ضبط السند واستقراء القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حتى يأتي الحديث ملبيا لرغبات السلطة السياسية، محققا لشروط قبول الحديث التي منها كون صياغته تنسجم مع الأسلوب النبوي.
وبالرغم من محاولات بعض علماء الدين الشرفاء التصدي لتلك الممارسات بابتكار العلوم والقواعد الضابطة إلا أنهم لم يتمكنوا من إيقاف الوضع حتى تعددت المذاهب الإسلامية وضعفت شوكة الإسلام، وتراجع المستوى العلمي والثقافي والديني لأبناء الأمة الإسلامية، واختلطت الأحاديث الصحيحة بالموضوعة، ليستفيد منها أتباع المذاهب الإسلامية المتعددة ويزيدون عليها بما يذكي نار الفتنة فيما بينها بتأكيد أتباع كل مذهب على صحة عقيدته وسلامتها من البدع والضلال، وخطأ المذاهب الأخرى وكفرها وضلالها المؤدي إلى النار.
وقد أدى ذلك التناحر إلى انغلاق كل مذهب على أتباعه في مساجد منفصلة وطقوس مبتدعة أدخلتها بعض المذاهب على الدين حتى غدت مع مرور الزمن جزءا أصيلا لا يتجزأ منه كما فعل الصفويون الذين ساهموا في نشر التطبير وغيره من البدع والخرافات والروايات الكاذبة حول ثورة الحسين بن علي عليه السلام على سبيل المثال.. وفرقوا بين المسلمين في المساجد وحاربوا المخالفين لهم في المذهب، محدثين ردود أفعال سلبية استفاد منها الاستعمار الغربي في تفريق المسلمين كلما ظهرت بارقة أمل في اتحادهم.
وكذلك فعل الوهابيون الذين كفروا كل من خالفهم وهدموا المساجد والقبور وحاربوا المسلمين باسم الحفاظ على (الإسلام الحق)!!
واليوم لم يعد رجال الدين يتخيلون إسلاما بلا مذاهب، فبالرغم من دعواتهم إلى الوحدة الإسلامية إلا أن كل فرقة ترى أنها الناجية الوحيدة، وأن انتشار مذهبا إسلاميا آخر يعد خطرا عظيما يجب دفعه ولا يعد انتشارا للإسلام!!
لقد تلاشت آمال عامة المسلمين في الوحدة الإسلامية التي حاولت الاستناد على أسس هشة وانتهت إلى مصارحة مُرة ألهمت قرائح أتباع كل فرقة بأبلغ الأساليب اللغوية الرصينة للهجوم على الفرق الإسلامية الأخرى دفاعا عن مذهبهم، وكأن إثبات الحق لا يتأتى إلا بتسفيه المسلم أخاه!!
وعلى المسلمين اليوم إذا ما أرادوا الاتحاد أن يحرروا عقولهم من التقليد الأعمى لرجال الدين الذين لا يبحثون إلا عن مصالحهم الدنيوية والاقتداء بالدعاة إلى الوحدة الإسلامية الحقيقية الخالية من التعصب والتمذهب الطارئ. وأن يعملوا على دعم علماء الدين الشرفاء من أجل تشكيل مؤسسة دينية تدعو إلى وحدة إسلامية حقيقية وتعمل على تنقيح التاريخ الإسلامي باختلاف مذاهبه من كل الشوائب التي فرقت المسلمين وبدلت دينهم وأخرجتهم من النور إلى الظلمات، وتعيد توحيد صلاة المسلمين في مساجد جامعة لهم وإزالة كل ما يحول دون وحدتهم في الأوقاف والمحاكم الشرعية والمناهج التعليمية والمناسبات الدينية والقنوات الإعلامية المختلفة...
ولن يتأتى ذلك كله إلا بتحرر عقول القائمين على تنفيذه من التعصب الأعمى لأحاديث موضوعة وتقاليد دخيلة ومذاهب طارئة، وترفع أنفسهم عن الصراع على المراكز الاجتماعية الزائلة، كما فعل المفكر المصري صالح الورداني، الذي ساهم في تأسيس بعض المنظمات الجهادية الإسلامية السنية في مصر، ثم اعتنق المذهب الشيعي لمدة تزيد على العشرين عاما، وكتب العديد من الكتب حول المذهبين الكريمين، ولما أدرك أن الحقيقة تكمن في الإسلام الخالص أخرج نفسه من الدائرتين ليدعو إلى الوحدة الإسلامية، مترفعا عن كل ما يمكنه أن يقيل عقله ويدنس نفسه.
ولو أراد رجال الدين توحيد المسلمين لفعلوا، ولكن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

الجمعة، 17 أكتوبر 2008

قهر الصعاب بالإرادة الحديدية والتشبث بالثورة المعلوماتية

حسين الأمير.. الكفيف، والقارئ المثقف..
قهر الصعاب بالإرادة الحديدية والتشبث بالثورة المعلوماتية

الوقت - جواد مطر:
‘’بعد دخولك قرية عالي من دوار المرور، سيصادفك دوار آخر فاتجه يسارا، ثم اتجه يمينا، وبعد أن تصل إلى الدوار القريب من مشويات النعيم، ستجد ورشا للنجارة ومحلات تجارية أخرى على يسارك، اتركها واتجه يسارا بعد أول مرتفع، ثم اتجه يمينا فيسارا مباشرة، وبعد ثلاثة مرتفعات ستجد محلا لبيع السندويشات على يمينك، فاتجه بعده يميناً إلى أن تجد على يسارك صندوقا أزرقا لحفظ أسطوانات الغاز، قف فأنت وصلت منزلي’’. هكذا وصف مدرس اللغة العربية الكفيف، حسين الأمير منزله، عندما سعت (الوقت) للقائه، والذي استهله، بطباعة بضعة أسطر على حاسوبه الشخصي، أرادها أن تصل إلى جميع القراء ‘’بسم الله الرحمن الرحيم، يسرني أن أكون في صحيفة (الوقت)، وأرجو أن يكون أمثالي، دافعاً لبذل مزيد من العطاء، لخدمة الإنسانية’’.
حسين الأمير، في بداية العقد الثالث من عمره، كفيف منذ ولادته، تخرج من جامعة البحرين تخصص لغة عربية ودبلوم تربية، متزوج، ولديه قيس (3 أعوام)، وينتظر الآن المولود الآخر، يعمل حالياً مدرساً لمادة اللغة العربية في المعهد السعودي البحريني للمكفوفين، يهوى العزف على آلة (الأورج)، كما أنه مغرم بالقراءة والمطالعات الفكرية، إذ بدأ منذ 5 أعوام، تخصيص وقت للقراءة، من 6 صباحاً حتى 12 ظهراً، ناهيك عن حرصه الشديد على متابعة الصفحات الثقافية بالصحف المحلية، بشكل شبه يومي، واصفاً (الوقت) بـ ‘’المميزة في هذا الجانب’’.
بدأ الأمير حديثه، بالقول ‘’أنهيت مرحلتي الدراسة الابتدائية والإعدادية في معهد النور للخليج العربي (المعهد السعودي البحريني للمكفوفين) حالياً’’، مشيراً إلى أن ‘’الموارد البشرية والمادية الخاصة بفئة المكفوفين، كانت متوفرة، إذ كان المدرسون مؤهلين بالشكل الكافي للتعامل معنا، في الوقت الذي وفر المعهد لنا جميع الكتب اللازمة مطبوعةً بطريقة برايل، كما وفر لنا الآلات المختلفة المستخدمة لكتابة تلك اللغة، كآلة (بيركنز)’’.
وعبر الأمير عن شعوره بأنه ‘’لم يحس يوماً، بالنقص أو الاختلاف عمن حوله في الدراسة، الذين كانوا يعاملون كبقية المدارس الأخرى، من حيث الأنشطة والفعاليات’’، لكنه عاد فقال إن ‘’كنا نعيش، الجو السابق، داخل أسوار المعهد، إلا أنه في حياتنا مع المجتمع، كان الوضع مغايراً’’.
وتابع ‘’إذ كنا - هو وأخيه شبه الكفيف- نتعرض للرمي بالحصى عند اللعب عصراً في القرية، من قبل الأطفال الذين هم في نفس عمرنا، كما كانوا يصرون على رمينا بالألقاب كالعمى وغيرها’’.
واعتبر أن ‘’ذلك السلوك، أحدث لديه رد فعل إيجابي تمثل في تقبل إعاقته، والإيمان بأن التغيير ينبع من داخل الفرد نفسه’’، مذكراً أنه ‘’كان في طفولته يصرُّ على ركوب الدراجة الهوائية أسوة ببقية الأطفال، معتمداً في ذلك على سمعه وإحساسه’’.
وأوضح الأمير أن ‘’الحوادث البسيطة التي تعرض لها، لم تكن كافية لتثنيه عن ذلك، لولا شعوره بتخطي مرحلة اللعب بالدراجة’’.
ورأى أن ‘’الشخص العادي، لا يحتاج إلى بقية حواسه الأخرى في معرفة ماهية الأشياء المادية كالتفاحة مثلاً وصلاحيتها، بينما يحتاج الكفيف إلى أدوات المعرفة المختلفة التي يتمتع بها’’، مشيرا إلى أن ‘’هذا هو سر قدرة الكفيف على تمييز اتجاه الصوت، حجم المكان، عن طريق ارتداد صوته على الجدران’’.
وقال إنه ‘’في المراحل الأولى من حياته، كانت علاقته مقتصرة على المنزل والمدرسة، إلا أن والدته التزمت بأخذه للمشاركة في الأنشطة المجتمعية المختلفة، مثل المعهد الكلاسيكي للموسيقى’’، مضيفا أنه ‘’تعرف هناك، على أحد أهم الأصدقاء في حياته، والذي بدأ معه مرحلة جديدة، بعد تبادل الزيارات والخروج سويا’’.
وتابع ‘’مازلنا صديقين، منذ العام 1987 وحتى الآن، علماً أنه الشخص الذي شجعني حقاً على تكوين العلاقات الاجتماعية والتوسع بها’’.
وأوضح الأمير أن ‘’مشاركاته في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، تنوعت، إذ بعد دراسته آلة (البيانو، العود) شارك في بعض احتفالات ذكرى تأسيس المعهد الكلاسيكي’’، مشيرا إلى أنه ‘’حصل على المركز الأول، بعد مشاركته في نادي الحالة للهواة والعزف أيضاً على (الأورج)، وكانت والدته تأخذه، وتعيده إلى المنزل’’.
كسر مرحلة العزلة
واسترسل ‘’التقيت في المرحلة الثانوية أحد الأصدقاء المكفوفين، والذي علمني كيفية الخروج منفرداً من المنزل، والاعتماد على الذات في التنقل مستخدماً سيارات (النقل العام) حينها، أو بالإشارة إلى السيارات المارة’’.
وتابع ‘’كما أرسى، في داخلي قواعد عدم الخجل من السؤال عن المواقع التي أرغب الذهاب إليها، عن طريق المحاكاة بعد المعاينة’’، مستذكراً ‘’مغامرته الأولى مع أخيه الكفيف (عصام)، بالذهاب إلى المعهد والعودة، باستخدام النقل العام’’.
واعتبر الأمير أن ‘’تلك كانت البداية، لحضور كثير من الأمسيات والمحاضرات في مختلف مناطق المملكة، كجمعية الإصلاح، نادي العروبة، نادي الخريجين، أسرة الأدباء والكتاب’’، مؤكداً أن ‘’حضوره تلك الأنشطة، هو الذي ساعد على دمجه، مع المجتمع بشكل أكبر’’.
6 ساعات يومياً للقراءة
كيف استطاع الأمير، أن يشبع ولعه الشديد بالقراءة والمعرفة، في ظل محدودية الكتب والمصادر المطبوعة بلغة برايل؟
ربما يثير هذا السؤال، الاستغراب في ذهن القراء، إلا أن الأمير يوضح الأمر، عندما يقول إن ‘’خاله، وافق على تخصيص وقت مشترك للقراء 6 ساعات من صباح كل جمعة، اعتبارا من الساعة ,6 شريطة أن تكون الكتب ذات ميول مشتركة، حتى يستفيد الطرفان’’، مشدداً على أن ‘’خاله، مازال ملتزماً بالاتفاق، إذ يأتي، ويأخذه إلى منزله، للقراءة، ويهب به من بعد إلى المكان الذي يرغبه’’.
وأضاف ‘’كان خالي، يحرص على تجنب المواعيد والالتزامات التي تتعارض مع وقت القراءة’’.
وأرجع الأمير توقفه عن كتابة الشعر إلى ‘’التغير الجذري الذي حصل في نظرته للحياة وفلسفتها’’، مشيرا إلى أنه ‘’أصبح يؤمن أن الكتابات الأدبية، ما هي إلا انفعالات، حصلت جراء مواقف معينة’’.
وقال ‘’من الضروري، معالجة الموقف، بدلاً من الاستغراق في الانفعال’’، معتبرا أن ‘’الشعر لا يرتقي إلى فكر قادر على استيعاب الموقف وحله’’.
ودعا الأمير إلى ‘’التوجه نحو الكتابة، وتحليل المواقف بأسلوب عقلاني وحجج منطقية، مدعمة بالدلائل العلمية’’، معتبرا أن ‘’على الإنسان، تغيير نفسه من الداخل، كما يستطيعون تغيير الواقع من حولهم’’.
الثانوية والتعليم الجامعي
إلى ذلك، عاد الأمير، مستعرضا رحلته التعليمية، مشيرا إلى أن ‘’معهد النور للخليج العربي، كان يمرُّ بمرحلة تغيير إداري، رافقها نقص حاد في الكتب، آلات الكتابة، إضافة إلى انفصال والديه، مما هدد بتوقف مشواره الدراسي’’.
وأضاف أن ‘’زميلا سعوديا، عرض عليه أن يكمل دراسته في معهد بالسعودية’’، مشيرا إلى أنه ‘’استطاع التسجيل في المعهد، هو وأخوه، وقضيا 3 أعوام في الغربة، حتى إنهاء المرحلة الثانوية العام .’’1995
وعن المرحلة الجامعية، أوضح الأمير ‘’كان ما يهمني، هو الحصول على بعثة دراسية، نظراً لعدم توفر الإمكانات المادية لمواصلة الدراسة’’، منوهاً أنه ‘’تحدث مع وزير التربية والتعليم في ذلك الوقت، وحصل على بعثة في اللغة العربية بكل بساطة، خصوصاً أنه كان متفوقا في الثانوية العامة بمعدل 94%’’.
أما عن الصعاب التي واجهها الأمير في هذه المرحلة، فقد ‘’تمثلت في البحث، ومتابعة المحاضرات، والوصول إلى شخص متفرغ لقراءتها له، ليقوم هو بكتابتها بطريقة برايل أو تسجيلها على شريط كاسيت ليتمكن من استذكارها لاحقاً’’، معتبراً ‘’البحوث والتقارير الدورية بمثابة (الطامة الكبرى)، إذ يستلزم إعدادها، وجود مرافق إلى المكتبة لقراءة المصادر، واختيار المطلوب منها’’.
الراديو، بدايته نحو الانفتاح الفكري
ومن الواضح أن (الراديو)، كان رفيق الأمير، منذ أن كان عمره 12 عاما، وكما يقول ‘’كانت التحليلات الإخبارية والبرامج الأدبية والعلمية، الأكثر جذباً’’، مشيراً إلى أنه ‘’حتى الآن، قرأ أكثر من 90% من الكتب المطبوعة بلغة برايل في المعهد، وتلك الموجودة في مكتبة جمعية الصداقة للمكفوفين’’.
وأضاف أن ‘’الندوات المختلفة التي كان (لا يزال) يحرص على حضورها، ساهمت في إثراء الجانب الفكري لديه، بشكل كبير’’، مذكراً أنه ‘’اكتسب بعض الأفكار حول العلاقات الاجتماعية، وتعامل المجتمع مع الخارجين عن القانون، من خلال بعض المسلسلات التلفزيونية’’.
وأوضح الأمير أنه ‘’متابع بشكل دائم للصحف المحلية، عن طريق الانترنت، ويفضل قراءة الشؤون الثقافية في صحيفة (الوقت)’’، معتبرا أن ‘’كتاب (نقد العقل العربي للدكتور محمد الجابري) من أبرز الكتب ذات التأثير على شخصيته’’.
الأمير والطفرة المعلوماتية
لم يخطر، بذهن الأمير يوما، أن يستخدم الحاسب الآلي، والانترنت، مشيراً إلى أنه ‘’مع مطلع التسعينات، كان التفكير بالحاسب الآلي ضرباً من الخيال، وفي منتصف ذات العقد، بدأ يشيع وجود أجهزة يمكن توصيلها بالحاسب، تترجم كل ما يطبع على الشاشة إلى طريقة برايل، ومن ثم يقوم الكفيف بقراءتها عن طريق اللمس’’.
وقال إن ‘’اقتناء ذلك الجهاز، كان حلما، لارتفاع سعره الى أكثر من ألفي دينار، إضافة إلى أن الجهات المسؤولة في المملكة، لا تقدم دعما ماديا’’.
واسترسل ‘’جاءت شركة تسوق تلك الأجهزة، واستطعنا الكتابة بأنفسنا في برنامج (الورد)، كما تمكنا من الدخول على الشبكة العنكبوتية’’، مشيراً إلى أن ‘’أحد المسوقين تبرع له بذلك الجهاز، ومن هنا كانت انطلاقته على الانترنت، وقراءة الكتب المتنوعة، والصحف المحلية بشكل يومي’’.
وتابع ‘’كانت مشكلة الجهاز، عدم تعامله بشكل جيد مع كثير من المواقع الالكترونية، مما يحتم الحاجة إلى شخص مبصر لتقديم المساعدة، فضلا عن اقتصار عمله على نسخة محددة من نظام التشغيل، وعدم القدرة على تحديثه تماشياً مع التطور التقني’’.
وقال الأمير ‘’بدأ، مع مطلع القرن الجاري، انتشار البرمجيات الناطقة للعناصر المكتوبة على الشاشة بسعر يصل 700 دينار’’، منوهاً أنه ‘’نظراً لتك الأسباب مجتمعة، آثرت استخدام ذلك الجهاز، كذاكرة خاصة بمعزل عن الحاسب الآلي، بدلاً من الضياع في تعقيداته’’.
وتابع الأمير تجربته مع التقنية قائلاً ‘’خيَّرت قرينة عاهل البلاد الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة جميع الطلبة المكفوفين في جامعة البحرين بالحصول على أجهزة للقراءة يتم توصيلها بالحاسب الآلي، او حاسب آلي مشتمل على برنامج ناطق كتبرع لهم، إلا أنه من سوء حظي أني حينها كــنت خريــجاً، فتمنــيت حينها الرسوب والتأخــر فصلاً واحداً للحصول على ذلك الجهاز’’، مضــيفا أنه ‘’تمكن لاحقاً من الحصول على البرنامــج الناطــق، مـن قبل أحد المحســنين، وبدأ الاستفادة منه، بعد تركيبه على الجهاز الخاص بزوجته’’.
مُعارَضة ‘’المُعارَضة’’
وعندما انتقل الأمير للحديث عن السياسة، قال ‘’التعبير بصراحة عن الأفكار السياسية المعارضة لبعض التوجهات في المملكة، أثناء المرحلة الجامعية، كان ضريبته التشهير بي واتهامي بالجاسوسية لصالح أجهزة الدولة’’.
ورأى الأمير أن ‘’الحكومة الحالية، هي الأكثر قدرة وخبرة من جميع الجمعيات السياسية، للإمساك بزمام الإدارة في المملكة’’، مشدداً على أن ‘’ميثاق العمل الوطني، وما تلاه من إصلاحات، سبب استقرار الأمور وليست أحداث التسعينات التي مرت بها المملكة’’.
وقال ‘’هناك كثير من الأوضاع التي حاولت المعارضة، جاهدة تغييرها، إلا أنها، كانت عاجزة عن ذلك، ما لم يصدر قرار ملكي’’، معتبرا أن ‘’المملكة استطاعت، حتى الآن، تنفيذ جزء كبير من السياسة الأميركية، في إعطاء الحريات المرتكزة على (قل ما تشاء، وسأفعل ما أشاء)’’.
وناشد الأمير ‘’قوى المعارضة، إلى أن تكون، أكثر وعياً، وتعبيراً عن الحريات’’.
المنحة لا تكفي
إلى ذلك، دعا الأمير ‘’المسؤولين في المملكة، إلى اعتماد سياسات، تسهم في دعم الفئات الخاصة وتنمية دورهم في المجتمع’’، معلقاً على مكرمة رئيس الوزراء التي تقضي بمنح ذوي الاحتياجات الخاصة مبلغ 50 ديناراً بصفة شهرية بأنها ‘’لا تكفي’’، مطالبا ‘’زيادتها، نظراً لزيادة الأعباء التي يحتاجها الكفيف، كالحاجة إلى سائق مثلاً’’.
ووجه الأمير ــ في ختام اللقاء معه ــ رسالة إلى أقرانه من الفئات الخاصة، داعيا إياهم إلى ‘’ألا يصابوا بالإحراج من إعاقتهم، وأن يعيشوا واقعهم بشكل طبيعي’’.

اقرؤوا ودعوني أقرأ

كم كنت أحلم بقراءة الصحف اليومية للوقوف على الواقع والاستفادة منه والمشاركة في إنتاجه برؤية عصرية لا تختلف إلا لتأتلف. رؤية أنتجها تراب الوطن العربي الكبير، وعبير الأصدقاء، وخمر الأعداء، ولعنة العمى. رؤية تعتمد اختيار البدائل المتعددة سبيلا للخروج من التابوت ولا تنكفئ على بديل وحيد.
ولتحقيق ذلك الحلم، كنت أحث الأقارب والأصدقاء على قراءة الصحف واطلاعي عليها للتعليق والمناقشة، ولكن ذلك لا يكفي، فلا يمكننا أن نلتقي يوميا، كما أن للناس في ما يقرأون مذاهب. ولا يمكن كتابة الصحف بطريقة برايل، فالعرض مكلف والطلب قليل. وعلى رغم ذلك كله لم أترك بابا للثقافة والاطلاع من دون طَرْق، فمعظم الجمعيات والأندية والمجالس الثقافية تشهد لي بالحضور، كما أشهد لها جميعها بالمساهمة في زيادة رصيدي المعرفي والاجتماعي.
ولما أوشك الحلم أن يتحقق بوجود برنامج يجعل الحاسوب ناطقا بالعربية والإنجليزية سعيت جاهدا مثل أقراني من المكفوفين بشتى الطرق حتى حصلت على الحاسوب والبرنامج بتبرع سخي من أحد التجار الأخيار، فبدأت بالتواصل مع العالم كله عبر الإنترنيت، ولم أكتف بقراءة الصحف فحسب، بل كنت أعلق على بعض مواضيعها في مواقعها الإلكترونية.
ونظرا للإصلاح السياسي العظيم والانفتاح الاقتصادي الشامل الذي شيده جلالة الملك حمد حفظه الله، تناسلت الصحف، وتنافست في توسيع مواقعها الإلكترونية وتجميلها، فتنوعت أساليب كتابة عناوين وصلاتها الإلكترونية، حتى عجزت البرامج الناطقة عن قراءتها، إذ إن هذه البرامج تستطيع قراءة الأحرف المكتوبة بطريقة(html) أو (txt) ولا يمكن قراءة الأحرف المكتوبة بطريقة(image) أو الصور غير المعرّفة أثناء تصميم الصفحة الإلكترونية، مما اضطرني إلى فتح أغلب المواضيع للتعرف على عناوينها من الداخل، ليضيع الوقت في الانتقاء على حساب القراءة. إن ذلك الحرمان غير المقصود من استمتاعنا بقراءة صحفنا المحلية لم يمنع البعض منا من الاتصال ببعض تلك الصحف، ولكن انتشار هذه الظاهرة دفعني للكتابة، تحدوني الثقة في إيمان رؤساء تحريرها بأهمية وصولها إلى مختلف فئات المجتمع من دون تمييز.
فهل سيكتمل حلم المكفوفين البحرينيين بقراءة ما يشاءون من الصحف المحلية بكل وضوح كما في السابق؟

الأحد، 21 سبتمبر 2008

إلى كلي الوحيد

أنت انتظار ..وانتصار ..ووطن
أنت اشتعال ..وضياء.. وزمن
أنت من غنى على جسدي ابتهالاً وابتهاجاً
أطلق الأقمار واستدعى الصور
أقبلي مثل قميص من حرير.. وعبير.. وبلابل
أغرقيني في بحار أعيت الكون افترارا والتقاءً
القفي ما يأفكون
أطلقيني في فضاء وحضارة
كلها فانية ..سوى الباقي وأنت
جنة صرنا نبياً
يخبر العشاق ماذا يصنعون
لأخ.. صار سؤالا
لأب.. أضحى شراعا ..وعصا
يا لها حل ٌوعيد
لاتحاد الأم في الثوب المجيد
أتراها كوكبا يعرفني
أم تراها قدرا يكنفني
من ترى يشبهها وبظلها تتألق الأشياء ..؟!
يالها كلٌ وحيد ..!

قاتلة الحب

حبك أفلاكٌ وجنانٌ
وليالي عرس وردية
تجعلني عصفوراً يبكي
من غيرة حب نارية
يفتح عينيه على صبح
تملؤه شمس ذهبيـــة
فإذا بالشمس تداعب
أشباحاً كمياه بحريــة
يأسرني صمتٌ محترق
بشظايا دمع دمويــة
وأحارب في صدري شوقاً
يعزف أنغاماً شرقيـة
فأذوب وتبقى أشواقي
تشدوا بلغات البشريـــة
ترجو أن تمنحها وطناً
آلهة الحـب الإنسيـــة
يكفيني موتاً سيدتي
صارت آثاري وهمية
سحقتها أعذارٌ تهوى
أن أقتل كي تبقى حية
ستطاردك الذكرى دوما
لقتيـل دمـه مرثــيــة
يهذي بأنينٍ مطلعه
قاتلة الحب الأبديـــة

همسة حب

أهلا بحبيب يدنينا
بالحب ولحن يشجينا
موسيقى صوتك أنغام ٌ
أحلى من كل أغانينا
الليل الأسود يبهره
ليل يغنيك ويغنينا
والعطر الضائع من ورد
خدك يفنيه ويحيينا
يا غصن اللؤلؤ كم أغويت
بحسنك شيخاً للدينا
كم من قلب أمسى قبراً
يا من حيرت ملايينا
أجمل أحلامي يا حزني
يا حبي حلماً ويقينا
يا زهرة قلبي يا شمسي
يا قمرًا وربيعاً فينا
يا رمز بقائي لا ترحل
يكفينا قربك يضنينا
فبقايا إنسان أبدو
حياً من بعدك ودفينا

الأحد، 14 سبتمبر 2008

تمييز غير مبرر

كم هو مثير للاستغراب أن تذهب لأحد كبار البنوك البحرينية لتصرف شيكا مستوفيا لجميع الشروط البنكية المطلوبة ليفاجئك الموظف برفض إتمام المعاملة طالبا منك إحضار ولي أمرك بالرغم من كونك أبا جاوز الثلاثين من العمر!
هذا ما أخبرني به أحد الأصدقاء المكفوفين عندما كنا نقارن بين الخدمات المصرفية لمجموعة من البنوك الكبيرة المعروفة. ومما زاد من دهشتي حرص كثير من البنوك على توظيف المكفوفين الذين أثبتوا نجاحهم في القيام بمهام عملهم على أكمل وجه!
فهل يحتاج ذلك الموظف إلى ولي أمر يدير شؤونه؟!
هل فقد الكفيف للنظر يدل صراحة على فقده لعقله؟
وعندما سألت صديقي عن بنك مناسب دلني على بنك يمكنني من إجراء جميع المعاملات المصرفية دون شروط.
بادرت بفتح حساب في ذلك البنك وحصلت على بطاقة الصراف الآلي، ونصحت بقية الأصدقاء المكفوفين بالتعامل مع ذلك البنك، فإذا ببعض أولئك الأصدقاء يفاجئونني برفض البنك إعطاءهم بطاقة الصراف الآلي بحجة فقدهم للبصر، وعندما احتجوا بامتلاك بعضهم لتلك البطاقة من البنك نفسه اعتبر الموظف ذلك خطأً لن يتكرر!
لكنني استطعت تكراره عندما نصحت أحدهم بطلبها من أحد الفروع الأخرى من البنك نفسه فكان له ما أراد!
ولو افترضنا جدلا عدم قدرة الكفيف على حفظ خطوات إجراء المعاملات المصرفية باستخدام الصراف الآلي مما قد يضطره إلى طلب المساعدة من أحد أقاربه فإن ذلك العجز لا يقتصر عليه وحده، بل يتعداه ليشمل كل من لا يجيد القراءة والكتابة، دون أن يعني ذلك تحمل البنك مسؤولية سرقة أية مبالغ من حساباتهم. فهل يتعامل البنك معهم بالطريقة نفسها؟
وهل الحل هو حرمان هؤلاء جميعا من الحصول على تلك البطاقة؟
إنني أناشد مصرف البحرين المركزي ضرورة التدخل من أجل ضمان حصول جميع المواطنين على كافة الخدمات المصرفية دون تمييز غير مبرر. كما لا تفوتني الإشادة بإدارة بنك ستاندارد تشارتارد التي حرصت على منحي جميع الخدمات المصرفية المتاحة دون تردد عندما كنت أحد موظفي البنك، وهو ما يدحض مبررات البنوك الأخرى لحرماننا منها.

السبت، 6 سبتمبر 2008

لماذا التطرف

لا شك في أن نجاح وزارة الإعلام في ربط النشاط الثقافي بالسياحة والاقتصاد قد أربك الساحات الثقافية والاقتصادية والدينية بالمملكة؛ بما فتحه ذلك النجاح من آفاق على مختلف الفنون والأمم بعروض ترويجية رائعة قادت مختلف فئات المجتمع البحريني من المهتمين وغيرهم إلى الاستفادة من فعالياته.
لقد أنجب مبدعونا وغيرهم بفضل وزارة الإعلام ربيعا للثقافة فاح شذاه حضارة راقية في العالم كله.
ولا شك أيضا في أن ما حدث من تجاوزات في هذا الربيع لتعاليم الإسلام الذي لن نقبل بغيره مصدرا أساسا للتشريع تجب محاسبة المسؤولين عنها بما يضمن منع تكرارها مطلقا بأي شكل كان، دون الوقوف في وجه الربيع كله.
لقد تجاوز عرض الفرقة الراقصة لأخبار المجنون تعاليم الإسلام بعلم وزارة الإعلام، وذلك من خلال التدريبات التي سبقت عرض ذلك العمل الفني على الجمهور. وبالرغم من علم الوزارة بما يمكن أن تحدثه تلك التجاوزات من تطرف ديني وثقافي قد ينعكس سلبا على دعوات جلالة الملك لمختلف فئات المجتمع البحريني بالتقارب والتعاون ونبذ العنف والتعصب، بالرغم من علم الوزارة بمخالفة ذلك العرض لدستور المملكة ودين غالبية شعبها وتوجهات معظم نوابها، بالرغم من وقوفها ضد عروض مشابهة في فنادق المملكة (مع إقرارنا بهبوط المستوى الفني للعروض الممنوعة) إلا أنها لم تقف دون تقديم ذلك العرض!!
ولا يعني اعتبار رفضنا لتقديم هذا النوع من الإعمال الفنية انتقاصا من أصحاب تلك الأعمال أو تقليلا من قيمة تجاربهم الفنية أو دعوة لمقاطعتهم والتشهير بهم، بل يجب التحقيق فيما حدث ومحاسبة المسؤولين الحقيقيين الذين سمحوا بحدوثه، والاعتراف للمبدعين بمساهماتهم الإبداعية في الارتقاء بأوطانهم وتحريرها من الظلم والجهل والاستبداد، وعدم تحميلهم وحدهم المسؤولية عن أخطاء لم يقترفوها نتيجة سوء تقديرهم لنتائج عمل واحد فقط.
كما يجب على بعض رجال الدين الأجلاء الاعتراف بأخطائهم المتكررة في معالجة مثل تلك الأحداث، فالتشكيك في نوايا المبدعين ووصفهم بالسعي إلى تحويل المجتمع إلى حيوانات لا موجه لها سوى الغرائز والشهوات يعد مخالفة صريحة لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم". أما من اعتاد منهم على المبالغة في تضخيم الرفض الشعبي استنادا إلى مصادر تفتقر إلى الدقة والمصداقية فقد ردت عليه حشود الجماهير التي حضرت العرض حتى نهايته، مما أوقعه في حرج شديد كان بإمكانه تجنبه.
ومن جهة أخرى فقد قابل التطرف الديني تطرف ثقافي مؤسف، تجاهل كل ما تجاهلته وزارة الإعلام أملا في نصرة الثقافة التي اعتقدوا خطأا بأن الهجوم على معتقدات الشعب الذي بذلوا الكثير من أجل استمالته هو السبيل الوحيد لتوعية المجتمع وتثقيفه وارتقائه. فنتيجة لعجزهم عن تبرير تلك التجاوزات عقليا ودستوريا، لجؤوا إلى تهوين الأمور باعتبارها (عرضا قصيرا) لا يستدعي مناقشته في البرلمان مطلقا. فأية رسالة تقارب يريدون توجيهها إلى المجتمع؟
وهل وجود القضايا الكبيرة مبرر لإباحة القضايا (الصغيرة)؟
ومن الذي يملك مقياس القضايا في هذا البلد؟ ومن أين جاء به؟ ومن الذي صادق على اعتماده مقياسا محليا أصيلا شاملا لقضايانا؟
وهل ينبغي إسقاط كل مهرجان يهدف للارتقاء بنا لمجرد وجود خطأ في إحدى فعالياته يمكن تصحيحه؟
هل تعتقد تلك الأطراف المتحاربة أن استراتيجية خلق التقارب بين مختلف فئات المجتمع يجب أن تنطلق من تبرير أخطائها بأخطاء أكبر؟
وهل التشكيك في النوايا والتحقير وفرض الوصاية يمكنه أن يصنع جيلا مثقفا متعاونا صالحا؟
هل سألت تلك الأطراف أنفسها تلك الأسئلة قبل الشروع في تلك الحرب المبنية على ردود الإفعال الانفعالية؟

كل عام وأنت الوطن

ثمة حيرة انتابتني عندما سئلت عن حبي لجلالة الملك.
ثمة شوق أنعش ذاكرتي برحابة صدر جلالتك وحنكتك وتواضعك، وراح ينثر الحروف أمامي لأعزف كلمات موسقها الحب، وأخرجها الواجب الوطني.
كلمات عن رحابة بثت العفو، وأنتجت الحرية، وقهرت الغربة وأيقظت الانتماء.
كلمات عن حنكة ولّدَت الحنكة، وحيّرَت الأعداء، وأضاءت الأصدقاء.
كلمات عن تواضع طيّر الأطفال فرحا بلقائك، وصيّر الكبار جنودا تظافرت سواعدهم لرفعك عاليا أمام مرأى الكون.
بالحب والقانون والمكارم صرت وطنا لكل من ينتمي إلى تراب البحرين دون تمييز، ميلاده الثامن والعشرين من يناير من كل عام.
كل عام وأنت الوطن…

رحلة مع خالد

لم أكن أعرف سبب تعلقي بصوته وألحانه، وإصراري على الاستماع إليه كلما ركبت سيارة أمي في مطلع الثمانين من القرن الماضي.
لم أكن أعرف سبب حرصي على شراء ألبوماته، وعزف أغانيه الرائعة كلما التقيت بالصديق الأزلي محمد حداد. ولكن ما كنت أعرفه جيدا هو أنني أصبحت عاشقا لألحانه منذ (جراح في عيون الحب)، متأملا في (بحر الهوى)، ب(أبيات غزل)، في انتظار (عازف عود)، يجعلني (أغني يا ظمى حروفي)، (سفني في المرفأ باكية)، (على المآذن).
(مدينة كل الجروح الصغيرة) )تجعلني أسافر (في ارتفاع الصواري)
(ذاهبا لترجمة الليل) لأعود (إلى وطني) وقد (تغيرت كثيرا).
لقد أدارت سوسنتي بطلبها مني الكتابة عن خالد الشيخ شريط ذكريات طار بي إلى الطفولة الحائرة، حيث غرفتي التي كنت أعالج فيها شعوري بالغربة بحفظ كلمات أغانيه وعزف ألحانه، إلى معهد النور وشارعه المحفوف بالأشجار، حيث كنت أدفع الحزن عن نفسي بالغناء بصوت خافت: (عندما كنت صغيرا وجميلا
كانت الوردة داري
والينابيع بحاري
صارت الوردة جرحا
والينابيع ظمأ). إلى المعهد الكلاسيكي الذي كنت ومحمد حداد نكتشف مواهبنا بعزف (عيناك) بآلتي البيانو والعود، إلى نادي الموسيقى بجامعة البحرين، حيث (الأورج) الذي طالما مررت به (مرة فرح) على أجمل أغانيه. إلى الحوار الهاتفي الذي باغتته به قبل خمس سنين متسائلا عن سبب ابتعاده عن تلحين القصائد الفصيحة وحرماننا من اختياراته المتميزة لكلمات أغانيه العامية فإذا به يباغتني دون أن يعرف عني شيئا غير اسمي وكوني عازف (أورج) برؤية فنية مبتكرة لم أجرؤ إلا على إجلالها وانتظار ترجمتها الموسيقية: أريد أن أخلق موسيقى مستقلة، يمكنها أن تعانق الكلمات دون أن تكون تابعة لها، ولم أعد أرغب في تكرار نفسي بإلحان تقليدية لا يمكنك الاستمتاع بها إلا إذا رافقت النص الشعري!
وبالرغم من انعطافه على (الأغنية الشبابية)، وتوقفه عن تلحين القصائد العربية الفصيحة التي كنت أبحث عنها بكل ثقة الولهان، إلا أن روحه الإبداعية الخلاقة وعدم اقتناعه بذلك المنعطف حرمه من انجذاب عشاق تلك (الأغنية)؛ ليعيده بلون فني جديد، عانق به (الشعرات البيض) ب(شارع واضح وبنت)، فكانت موسيقاه نصا جماليا مستقلا رائعا، قادرا على التأثر والتأثير كما أراد، وكما صرنا نريد!

دعوة لابتكار بدائل مختلفة

منذ انطلاق المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حفظه الله بدأت فئة مجهولة تنسج الشائعة تلو الأخرى؛ رغبة في الارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين، مستفيدة من مختلف الوسائل التقنية الحديثة في الترويج لها وتصديقها!
ومن تلك الشائعات ما حظي برعاية كبار المسؤولين في إحدى السلطتين التنفيذية أو التشريعية كزيادة الرواتب التي كبرت وترعرعت وبدأنا نجني ثمارها تدريجيا وننتظر المزيد.
ولم تقف هذه الشائعة عند هذا الحد، بل لقد أنجبت شائعة أخرى جعلت بعض مروجيها يتوهمون امتلاكهم لجميع المؤهلات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية التي تمكنهم من كشف (الحقائق) قبل صدورها رسميا!
فقد انتشرت شائعة إسقاط القروض عن جميع المواطنين قبل صدور المكرمة الملكية بإسقاط نصف القروض الإسكانية!
وربما استطاعت بعض البنوك توظيف تلك الفكرة وإضفاء روح الاستمرارية عليها لتصبح موسمية متزامنة مع عروضها الصيفية الترويجية المغرية.
وبالرغم من عدم احتواء زيادة الرواتب الرمزية لاحتياجات المواطنين إلا أن خوف مروجي الشائعات من استعادة الحكومة لتلك الزيادة بطرق أخرى ألهمهم بإنتاج شائعات مضادة مثل: عزم الحكومة على خصخصة الخدمات الصحية، ووزارة الكهرباء، وجامعة البحرين...
فضلا عن ارتفاع الأسعار الذي أصبح واقعا مؤسفا ربما تخرجنا منه شائعة إبداعية جديدة.
وبالرغم من عدم قدرتي على الجزم بوجود شريحة اجتماعية منظمة تتقن توظيف الشائعات بمنهجية واعية تمكنها من المساهمة في معالجة قضايا المجتمع بأقل قدر ممكن من الأضرار، وعدم إمكان الجزم بنسبة الأحداث السلبية والإيجابية إلى سحر الشائعات، إلا أنني يمكنني الجزم بقدرة العقل البشري على ابتكار البدائل السلمية المتعددة لمعالجة قضايا مجتمعه، وإيجاد المبررات الشرعية والمنطقية للعمل بها كما استطاع تبرير المواءمة غير المجدية بين العنف والجهاد.
إن الاستفادة من الحرب النفسية التي يمكن أن تثيرها الشائعات ضاربة في جذور الثقافة العربية والغربية على حد سواء، ولكن ذلك لا يعني الدعوة لاعتمادها بوصفها حلا سحريا لكل المشكلات، بل وسيلة يمكننا الاستدلال بها على إمكانية إيجاد حلول مختلفة لقضية واحدة دون الإضرار بالعلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع الذي يجب أن يكون متحدا.

الخميس، 4 سبتمبر 2008

من أجل أن نصبح على وطن

"منتصب القامة" يمشي عابرا الحدود على أنغام (نشيد الموتى)، ولا حدود لجمهوره.
رسول ينعش ذاكرتنا بإحياء ضمائرنا كلما نسينا معجزة الإحياء لعل "الذكرى تنفع المؤمنين".
ينثر مشاعرنا ربيعا يضمد جراح ذوي الشهداء، ويغري الأقصى بالصمود.
لا زلت أذكر سعادتي ب(عَلِّيها) التي عزفتها على البيانو في سينما الأندلس في الثانية عشر من عمري، بمصاحبة عود الصديق الأستاذ محمد حداد، مشاركة منا للشعب الفلسطيني في انتفاضته ضد الاحتلال.
ذكريات هيجت قلمي للكتابة بعد انقطاع طويل آثر مارسيل خليفة ألا يدوم.
في صوته دفء أنجبه الحنين إلى الوطن، ليشعل أجيالا أضناها النضال ولا خلاص لها سواه.
صوت يزرع الكرامة، يشحذ الهمم راصدا مترصدا في آن.
صوت يتقطع ألما، يتقاطع أملا، وهو القاطع من أجل البقاء.
تقصده الكلمة كلما ملت الاحتلال، وبها يقارع البنادق.
تجرد الموسيقى أسلحتها لنصرته، فإن تعب الجميع عانق عوده وقال...
بأنامله رتل ألحانا أخرجت أجيالا عن صمتها ولا تزال تنذر وتبشر بالمزيد.
ألحان تناغي الماضي، وتناغم الحاضر لتؤلف الآتي.
هو اللحن المدافع عن (هويتنا).
هو المغني لكي (نصبح على وطن) يحتضن المِلَل والنِحَل تحت جنح السلام.
بلقائه نكافئ أطفالنا ونهنئ أنفسنا بكونه منا. وفي استقباله برهان للعالم كله على (اعتراف) الحكومات العربية بحقوق الشعب الفلسطيني (وإيمانها) بقضيته، وأنها تقدم (الحرية) (والديمقراطية) لشعوبها على طبق من ذهب.
إنه مارسيل خليفة. الصوت الذي لا زال مسموحا بسماعه حتى هذه اللحظة بالرغم من طول مداه ودقة إصابته للهدف، وكأن أجهزة المراقبة عجزت عن كشفه.
لا زال حبه يتناسل في قلوبنا، والإيمان به يرتب أحلامنا، وعطاؤه يغرينا بالحضور ساعة حضوره.
إنه يغني فيصنع الجبال، لعل الجبال تعيد الوطن.

الثلاثاء، 2 سبتمبر 2008

رغم الغياب

أحبكِ غيمة على كتفيّ تعزف الغفران
نايا يبث العبير في نسمات النغم
أحبكِ ريح اللقاء.. رحيل السفر
أحبكِ جنة تحرس ملاكا
وحارسها الأمير
يحترف الابتهاج في السماء
يعانق ذاك القصيد ببيت لذيذ
ويحلو الدعاء:
جنان لكم
وجنّتي عرس إلاهي غسل الزمان
تبنّى المكان لهفة الانتشاء
بطعم التحرر.. سحر الهدايا.. طقوس الشفاء
نغوص هوىً
ونرسم مرتشفَين الخلود
أحب اتحاد القصيد بأمي وعيد الورود
أحب ابتهال الشمس وصبر القمر
أحبكِ رغم الغيوم ورغم النجوم
أنا منذ أنتِ أغنية الريح.. والنصر.. والصلوات...

غصة حب

تتقاذفني وردة الشعر حريرا ونعشا وأي احتضار
تسحق أمطارها إغفاءة تصنع الجنان
تبدد الأمل
تشرق سرابا ينعش أرجوحة القدر
يدنس الآتي بزعاف وشيك وأي احتضان
يلهو بها الدخان
أرتجل الصعداء في احتفالها بعيد آت
كلانا يغص بجنته
وصرخة آب لعلها غيث الكريم
لشهوة القلق البكاء مقبرة الظلام
ووردة الشعر تلفظ المستحيل
تزين الأمس لعنة الألفين هائمة في (المضنى بالمحبة)
كلانا يعصر السوسن تشبثا وابتهالا
وشر التشظي الانتشاء
أينما نكون يدركنا الموت
وهل كنا ندرك الحياة ؟!

الاثنين، 1 سبتمبر 2008

ابن قيس

ابن قيس
حسين الأمير

إذا مت حباً فدقي الطبول
نادي الشياطين والعاشقين
غني لهم:
لقد عاش ابن قيس هنا
وصار مدينة قيس هنا
وجاب هنا وهناك وضاع
ثم مات هنا
يعيش ابن قيس وسط الصحارى وبين البحار
سيأتي من الصين لبنت العرب
ومن آل بوذا لبنت الصليب
سيأتي ابن قيس
ليبني بيوتا لكم
يفرج عنكم
سيجعل كل المجرمين حدائق حب
يحاول منح جميع الشياطين قلوبا
قريبا سيأتي
يحطم كل قيود الزمن
يحرق كل حصون المسافة
يضيء أبي
يموسق أمي
ويأخذني...
*****************