السبت، 9 مايو 2009

الكفيف والإنترنيت

في مؤتمر الاستراتيجيات الفعالة لحماية الأطفال من الاعتداء والاتجار على الإنترنيت الذي نظمه برنامج كن حرا التابع لجمعية البحرين النسائية بفندق كراون بلازا كانت لي هذه المشاركة في تاريخ 9 مايو 2009م:
الكفيف والإنترنيت
طرق الدخول والاستخدام

تمكن الكفيف من ولوج عالم الإنترنيت مستكشفا فقارئا فمدونا فمصمما لمواقعه الخاصة أو مديرا ومطورا لها، مستفيدا مما أنتجته له الثورة التقنية من وسائل عديدة خيرته حتى حيرته.
فبعد أن ناضل الكفيف في سبيل الحصول على حقه المشروع في اكتساب المعرفة عبر الكتب والصحف والمجلات المطبوعة بطريقة برايل، وتمكن من تحقيق جزء يسير مما كان يصبو إليه بمساعدة من آمن بقدرته على اكتساب المعرفة وإعادة إنتاجها بأطر عصرية متجددة ووعي مختلف، أنجبت له الثورة الصناعية الحديثة أجهزة تُعرَف بالسطور الإلكترونية، يمكنه توصيلها بالحاسوب لتقوم بترجمة كل مكتوب على شاشته بطريقة برايل على هذه السطور. وتنافست الشركات المصنعة لها، فبدأت بتطوير إمكاناتها لتشمل ترجمة ألوان الخطوط وأنواعها وأحجامها، فضلا عن تعريف الكفيف بموقع النص المكتوب من الصفحة وتمكينه من الاستفادة من مختلف برامج الحاسوب كبرامج الصوت والحماية والمحادثات...
وبالرغم من ارتفاع ثمن السطر الإلكتروني الذي تجاوز الألفين من الدنانير البحرينية، إلا أن بعض المكفوفين المقتدرين أو الذين بهروا بعض أهل الخير من أصحاب رؤوس الأموال بقدرتهم على الاستفادة من الحاسوب عبر أحد هذه السطور تمكنوا من الحصول عليها والمطالبة بتوفيرها لأقرانهم.
لقد أصبح الكفيف قادرا على كتابة ما يريد وتنسيقه بالخط العادي، وازدادت معرفته بأنواع الخطوط وألوانها والأحجام المناسبة المريحة لنظر أقرانه المبصرين، كما أصبح قادرا على قراءة ما يريد ما دام مكتوبا على شاشة الحاسوب، سواء كان ذلك على شكل وثيقة وورد أم جدول إكسيل أم شرائح باور بوينت أم صفحة إلكترونية على الإنترنيت... إلخ
واستمر صانعو السطور الإلكترونية في تلمس احتياجات الكفيف وتسهيل حصوله على المعرفة، فلم يعد الكفيف اليوم بحاجة إلى توصيل ذلك السطر الإلكتروني بالحاسوب للاستفادة من الثورة المعلوماتية عبر الشبكة العنكبوتية، بل أصبح السطر نفسه قادرا على تمكين الكفيف من الاتصال بالإنترنيت سلكيا أو لا سلكيا، وصارت تلك الأجهزة أشبه بالحاسوب الذي يحوي ذاكرة صغيرة الحجم تمكن الكفيف من كتابة ما يريد وقراءة ما خزنه من نصوص على ذلك الجهاز على شكل وثيقة وورد أو نوتباد، وإرسال تلك النصوص إلى الحاسوب أو إلى أي بريد إلكتروني متى أراد. كما يمكنه تشغيل ما شاء من الموسيقى وغيرها عبر تلك الأجهزة وحدها، والتي تتميز بصغر حجمها، وخفة وزنها، وسرعة تشغيلها، وندرة احتمالات تعرضها للفيروسات.
ومن أهم تلك الأجهزة (إم باور، برايل سينس، بريلينو، باكميت، برونتو) وغيرها.
ونظرا لبطء مستخدمي طريقة برايل في القراءة بشكل عام، وحاجتهم إلى قراءة كل خطوة ينتقلون إليها في الحاسوب عبر السطر الإلكتروني، وعدم توافر الدعم الفني للسطور الإلكترونية في غير البلدان المصنعة لها غالبا... فقد أبدع المتخصصون في صناعة التقنيات التعويضية للمكفوفين البرامج القارئة لشاشة الحاسوب بمختلف اللغات. فبدلا من أن يقوم المستخدم بفتح شبكة الإنترنيت باستخدام لوحة المفاتيح ثم التأكد من ذلك بقراءة ما قام به بطريقة برايل عبر السطر الإلكتروني، أصبح الحاسوب هو الذي يقرأ له كل ما يقوم به لحظة التنفيذ دون الحاجة إلى أي جهاز آخر. كما يمكنه التحكم في سرعة قراءة البرنامج للشاشة ومستوى علو الصوت ونبرته. وابتكر مصممو تلك البرامج مفاتيح ساخنة تسهل للكفيف التنقل بين الروابط وحدها على شبكة الإنترنيت أو بين النصوص المكتوبة فقط أو بين العناوين فقط أو بين المساحات المخصصة للكتابة فقط مثل المساحة المخصصة لكتابة اسم المستخدم أو كلمة المرور أو موضوع البحث... إلخ
وقد شاع استخدام هذه البرامج نظرا لانخفاض سعرها مقارنة بالسطور الإلكترونية، وسهولة استخدامها وتحديثها، وعدم حاجتها إلى الصيانة، ومن أهم هذه البرامج (Hal, Jaws, Window Eyes, ibssar)، إضافة إلى البرامج المجانية مثل (NVDA, System Access To Go, Thunder) وغيرها.
أما ضعاف البصر فيمكنهم الاعتماد على البرامج المكبرة للشاشة مثل (Lunar, Supernova, Magic) وغيرها.
إذ أصبح بإمكانهم تكبير الشاشة كلها إلى عدة أضعاف أو تكبير جزء منها بحسب الحاجة. كما يمكنهم تغيير لون النص المكتوب أو لون الخلفية إلى ما يناسب احتياجاتهم.

أساليب الحماية من أخطار الإنترنيت

مما تقدم يمكننا الجزم بأن إرادة الداخل إلى شبكة الإنترنيت هي وحدها التي يمكنها أن ترتقي به إلى مدارج الكمال أو تهبط به إلى مهاوي الانحلال بغض النظر عن كونه معوقا أو غير معوق. فالمشاهد الجنسية التي يراها المبصر على سبيل المثال يمكن أن يسمعها الكفيف عبر مقاطع الفيديو أو المقاطع الصوتية غير المرئية. وكل من الكفيف والمبصر يمكنه الاحتيال على حجب المواقع غير المقبولة في مجتمعه بالطرق نفسها التي لا تخفى على معظم مستخدمي شبكة الإنترنيت.
والأضرار الصحية الناتجة عن الجلوس لمدة طويلة أمام الحاسوب يشترك في التعرض إليها الكفيف والمبصر، باستثناء ما يتعلق منها بالتأثير على سلامة النظر والتي يشترك فيها ضعيف البصر مع المبصر.
ويمكننا مراقبة الحاسوب بالاعتماد على برامج الحماية المختلفة مثل: (Key Logger, PC Spy, Golden Eyes…) وغيرها. ولكن لا يجب قصر طرق الحماية على هذا الحل وحده؛ فولي الأمر والمعلم على سبيل المثال وليس الحصر يجب أن يتحملا مسؤوليتهما الأسرية والاجتماعية ويسعيا إلى امتلاك أنجع الأساليب التربوية الحديثة وأكثرها قدرة على توجيه إرادة الأطفال والمراهقين إلى كل مفيد، وحفزهم على التأثير الإيجابي على من حولهم بدلا من التأثر السلبي بهم.
وعلى الطبيب أن يحرص على بيان الأضرار الصحية الناتجة عن الجلوس أمام شاشات الحاسوب لساعات طوال وطرق الوقاية منها.
وعلى المتخصصين في تقنية المعلومات تشكيل مؤسسات تعمل على توعية المجتمع وتوجيهه إلى أهم الأساليب الوقائية من أخطار قراصنة الحاسوب الذين لا يألون جهدا في تخريب المجتمعات لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
وعلى السلطة التشريعية إصدار القوانين التي تحمي المجتمع من المجرمين الذين يستغلون الإنترنيت ومختلف وسائل تقنية المعلومات في الاعتداء الجنسي على الأطفال والمراهقين، أو سرقة المعلومات الشخصية من حواسيب أصحابها أو سرقة أموالهم ومعاقبة مرتكبيها.
وعلى كل فرد من أفراد المجتمع أن يسعى إلى أن يكون قدوة حسنة لمن حوله، انطلاقا من وعيه بكونه عضوا في هذا المجتمع الإنساني الكبير، وعليه تحمل مسؤولية التأثير فيه إيجابا قولا وعملا.