هل يريد رجال الدين إنهاء الطائفية؟
حارب الإسلام التمييز بجميع أشكاله في العهدين النبوي والراشدي، متخذا من التقوى معيارا للتفاضل بين الناس. وإن ظهرت بعض مظاهر التمييز في العهد الراشدي فهي قليلة لم تصل إلى الحد الذي يمكننا اعتبارها به ظاهرة مميزة لذلك العصر.
أما الأمويون فقد تبنوا التمييز منذ نشأة دولتهم، معلنين به نهجا جديدا على مبادئ الإسلام السامية، قديما قدم الجاهلية. وقد تعاقبت الدول الإسلامية المتتالية على تبني التمييز بشتى أشكاله حتى يومنا هذا.
ولم يعد التمييز اليوم مفروضا على الرعية بقوة السلطة السياسية فحسب، فقد استفادت بعض الدول الإسلامية السابقة من قوتها العسكرية وضعف الواعز الديني لدى المسلمين نتيجة للرفاهية والانغماس في الترف، وطورت آلياتها لدفع المجتمع الإسلامي نحو التمييز الذي يخدم سياساتها. فجندت بعض ضعاف النفوس من رجال الدين لوضع الأحاديث التي تدعم توجهاتها، متبعين أحدث المناهج العلمية السليمة في ضبط السند واستقراء القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حتى يأتي الحديث ملبيا لرغبات السلطة السياسية، محققا لشروط قبول الحديث التي منها كون صياغته تنسجم مع الأسلوب النبوي.
وبالرغم من محاولات بعض علماء الدين الشرفاء التصدي لتلك الممارسات بابتكار العلوم والقواعد الضابطة إلا أنهم لم يتمكنوا من إيقاف الوضع حتى تعددت المذاهب الإسلامية وضعفت شوكة الإسلام، وتراجع المستوى العلمي والثقافي والديني لأبناء الأمة الإسلامية، واختلطت الأحاديث الصحيحة بالموضوعة، ليستفيد منها أتباع المذاهب الإسلامية المتعددة ويزيدون عليها بما يذكي نار الفتنة فيما بينها بتأكيد أتباع كل مذهب على صحة عقيدته وسلامتها من البدع والضلال، وخطأ المذاهب الأخرى وكفرها وضلالها المؤدي إلى النار.
وقد أدى ذلك التناحر إلى انغلاق كل مذهب على أتباعه في مساجد منفصلة وطقوس مبتدعة أدخلتها بعض المذاهب على الدين حتى غدت مع مرور الزمن جزءا أصيلا لا يتجزأ منه كما فعل الصفويون الذين ساهموا في نشر التطبير وغيره من البدع والخرافات والروايات الكاذبة حول ثورة الحسين بن علي عليه السلام على سبيل المثال.. وفرقوا بين المسلمين في المساجد وحاربوا المخالفين لهم في المذهب، محدثين ردود أفعال سلبية استفاد منها الاستعمار الغربي في تفريق المسلمين كلما ظهرت بارقة أمل في اتحادهم.
وكذلك فعل الوهابيون الذين كفروا كل من خالفهم وهدموا المساجد والقبور وحاربوا المسلمين باسم الحفاظ على (الإسلام الحق)!!
واليوم لم يعد رجال الدين يتخيلون إسلاما بلا مذاهب، فبالرغم من دعواتهم إلى الوحدة الإسلامية إلا أن كل فرقة ترى أنها الناجية الوحيدة، وأن انتشار مذهبا إسلاميا آخر يعد خطرا عظيما يجب دفعه ولا يعد انتشارا للإسلام!!
لقد تلاشت آمال عامة المسلمين في الوحدة الإسلامية التي حاولت الاستناد على أسس هشة وانتهت إلى مصارحة مُرة ألهمت قرائح أتباع كل فرقة بأبلغ الأساليب اللغوية الرصينة للهجوم على الفرق الإسلامية الأخرى دفاعا عن مذهبهم، وكأن إثبات الحق لا يتأتى إلا بتسفيه المسلم أخاه!!
وعلى المسلمين اليوم إذا ما أرادوا الاتحاد أن يحرروا عقولهم من التقليد الأعمى لرجال الدين الذين لا يبحثون إلا عن مصالحهم الدنيوية والاقتداء بالدعاة إلى الوحدة الإسلامية الحقيقية الخالية من التعصب والتمذهب الطارئ. وأن يعملوا على دعم علماء الدين الشرفاء من أجل تشكيل مؤسسة دينية تدعو إلى وحدة إسلامية حقيقية وتعمل على تنقيح التاريخ الإسلامي باختلاف مذاهبه من كل الشوائب التي فرقت المسلمين وبدلت دينهم وأخرجتهم من النور إلى الظلمات، وتعيد توحيد صلاة المسلمين في مساجد جامعة لهم وإزالة كل ما يحول دون وحدتهم في الأوقاف والمحاكم الشرعية والمناهج التعليمية والمناسبات الدينية والقنوات الإعلامية المختلفة...
ولن يتأتى ذلك كله إلا بتحرر عقول القائمين على تنفيذه من التعصب الأعمى لأحاديث موضوعة وتقاليد دخيلة ومذاهب طارئة، وترفع أنفسهم عن الصراع على المراكز الاجتماعية الزائلة، كما فعل المفكر المصري صالح الورداني، الذي ساهم في تأسيس بعض المنظمات الجهادية الإسلامية السنية في مصر، ثم اعتنق المذهب الشيعي لمدة تزيد على العشرين عاما، وكتب العديد من الكتب حول المذهبين الكريمين، ولما أدرك أن الحقيقة تكمن في الإسلام الخالص أخرج نفسه من الدائرتين ليدعو إلى الوحدة الإسلامية، مترفعا عن كل ما يمكنه أن يقيل عقله ويدنس نفسه.
ولو أراد رجال الدين توحيد المسلمين لفعلوا، ولكن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
أول المــــــــــــــــــــــــاء
قبل 12 عامًا
هناك 4 تعليقات:
شكرا لمرورك بمدونتي ..
يا أخي ان الدين عند الله الاسلام .. نحن نعرف الدين الاسلامي فقط أما المذاهب فهي من صنع البشر وتأسست نتيجة أفكار واعتقادات خاصة بأصحابها.. نحن الآن في أمس الحاجة لما يجمعنا وليس البحث عن أسباب التمييز والتفرقة..
عشت .. ولك تحياتي
فرق + شيعه + سنه + حنبلي + شافعي + مالكي + حنفي= تسد. اهنيكم ياأيها الاعداء، نجحتم وبجدارة في تفريقنا ، البقاء لكم والزوال لنا .وليد بشير
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكرك صديقي على هذا المقال الرائع الذي ضمنته رؤيتك في موضوع هام جدا، إلا أني سمحت لنفسي أن أخالفك في بعض الجزئيات،
ورد في مقالك مصطلح رجال الدين، وهذا مصطلح مأخوذ عن ال العلمانية الغربية التي جاءت لتحطم الكنيسة التي تسلطت على رقاب الناس في عصور الانحطاط، وإذا تصفحت كتب الأقدمين من الأدباء والكتاب والعلماء المسلمين فلن تجد هذا المصطلح أبدا. لذلك فإنه لا يوجد إلا مصطلح علماء الدين الذي حاول العلمانيون المعاصرون تغييره برجال الدين.
أما عن المذاهب الإسلامية: فإني متفق معك في كون المذهب الشيعي مذهب ضال، بيد أني لا أستطيع أن أفهم قصدك ولا ما رميت إليه. فتعدد المذاهب كان ضروريا مع توسع الأمة الإسلامية وما تبع ذلك من دخول أقوام جدد الإسلام وما ترتب عن ذلك من حدوث أمور مستجدة لم تكن أيام رسول الله صل الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين. والمذاهب الأربعة عند السنة لا تختلف حول أساسيات الدين وإنما تختلف في الفروع التي لا تخرج من الملة.
إن دعوتك إلى توحيد الدين هو أمر يفهم منه التضييق ووالتزمت والانكماش ومن ثمة سد باب الاجتهاد.
ختاما : تقبل صديقي كامل احترامي راجيا منك التجاوز عن كل كلمة فيها مس بقدرك أو تطاولي على مقامك.
عبد الرحيم,
المملكة المغربية
إلى الأخ بشير زعبيه:
من أهم طرق حل المشكلات هي تحديد المشكلة فتحديد أسبابها فوضع الحلول المناسبة لها ثم تجربة هذه الحلول وصولا إلى الحل المناسب.
أحترم رأيك وأشكرك على مرورك بي.
إلى وليد بشير:
شكرا لزيارتك العزيزة على القلب، وهنيئا لنا بكل من يسعى إلى الارتقاء بأمتنا. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
إلى عبد الرحيم:
رجال الدين هم علماء الدين، ولا أظنني سأختلف معك على المصطلحات ما دامت تدل على المعنى المقصود من ذكره، ولكنني لا أتفق معك على كون المذهب الشيعي مذهبا ضالا، وربما تكون قد حكمت عليه بذلك بناء على قراءة كتب غير شيعية، تقتطع ما تريد من بعض كتب الشيعة لتثبت صحة مذاهبها وضلال غيرها، تماما كما يفعل بعض الكتاب الشيعة عندما يكتبون عن المذاهب الأخرى وتلك هي المشكلة. فأرجو أن تقرأ المذاهب من خلال علمائها لا من خلال ما يكتبه الآخرون عنها، وما أردت الإشارة إليه هو كون كل المذاهب الإسلامية لا تخلو من الأخطاء وتزييف الحقائق دفاعا عن مبادئها ضد المذاهب الأخرى وهذا هو عين الخطأ. وما يجب على علماء الدين هو تكوين مؤسسة دينية تجمع علماء الدين من كل المذاهب الإسلامية وتعيد قراءة التاريخ الإسلامي من جديد بعين إسلامية منصفة وعقل مفتوح على تقبل الحقيقة وإثباتها، وكشف التزييف وإزالته دون حرج مهما كان مصدره.
أما الاجتهاد فليبق بابه مفتوحا ولتتعدد الآراء دون أن يكفر بعضنا بعضا أو يصف بعضنا بعضا بالضلال ما دمنا قد تخلصنا من كل ما شاب ديننا من زيف ساهم في تفريق أمتنا الإسلامية.
إرسال تعليق